
الفقر؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا».
قيام القيامة وأصناف الناس
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ١٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
الإعراب:
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ إِذا: في موضع نصب إما ب وَقَعَتِ لأن إِذا فيها معنى الشرط، فجاز أن يعمل فيها الفعل الذي بعدها، وإما أن العامل فيه: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي وقوع الواقعة وقت رج الأرض، وإما العامل: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي ليس لوقعتها كذب، وكاذِبَةٌ بمعنى كذب، كالعاقبة والعافية، وإما العامل فعل مقدر، أي اذكر.
خافِضَةٌ رافِعَةٌ خبر لمبتدأ محذوف، أي فهي خافضة رافعة، وهي جواب إِذا ويقرأ بالنصب على الحال من الواقعة، أي وقعت الواقعة في حالة الخفض والرفع.
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا بدل من قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ.
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ قيل: هو جواب إِذا وهو مبتدأ.
وما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ: مبتدأ وخبر، والجملة منهما خبر المبتدأ الأول، والعائد فيها محذوف: أي:
«ما هم».
وكذلك قوله: وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والاستفهام في هذين الموضعين معناه التعجب والتعظيم.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ السَّابِقُونَ الأول: مبتدأ، والثاني: صفة، صفحة رقم 240

وأُولئِكَ مبتدأ ثان، والْمُقَرَّبُونَ خبره. والأحسن أن يقال: السَّابِقُونَ مبتدأ، والثاني: خبر، وجملة أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ استئناف بياني.
البلاغة:
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ جناس اشتقاق.
الْمَيْمَنَةِ.. والْمَشْئَمَةِ بينهما طباق، وكذا بين خافِضَةٌ رافِعَةٌ وإسناد الخفض والرفع إلى القيامة مجاز عقلي، لأن الخافض الرافع على الحقيقة هو الله وحده، ونسب إلى القيامة مجازا، مثل «نهاره صائم».
المفردات اللغوية:
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ إذا حدثت القيامة، سماها واقعة لتحقق وقوعها. لَيْسَ لِوَقْعَتِها لوقوعها. كاذِبَةٌ كذب، أو نفس كاذبة، بأن تنفيها حين تقع كما تكذب الآن في الدنيا.
خافِضَةٌ رافِعَةٌ تخفض قوما وترفع آخرين، بدخولهم النار ودخولهم الجنة، وهو تقرير لعظمتها، فإن الوقائع العظام تميز بين الناس.
رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا زلزلت وحركت تحريكا شديدا يؤدي إلى سقوط البناء والجبال وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فتتت وصارت كالسويق الملتوت، يقال: بسّ فلان السويق، أي لته هَباءً غبارا. مُنْبَثًّا متفرقا منتشرا.
وَكُنْتُمْ في القيامة. أَزْواجاً أصنافا، وكل ما يذكر مع صنف آخر: زوج، وكل قرينين ذكر وأنثى: زوج. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أهل اليمين، الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم. ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ تعظيم لشأنهم بدخولهم الجنة، فهم أصحاب المنزلة السنية. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ أهل الشمال الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم. ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ تحقير لشأنهم بدخول النار، فهم أصحاب المنزلة الدنية.
وَالسَّابِقُونَ هم الذين سبقوا إلى الخير في الدنيا، وهم الأنبياء. السَّابِقُونَ تأكيد، لتعظيم شأنهم، لأنهم سبقوا إلى الإيمان والطاعة من غير توان. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ الذين قرّبت درجاتهم، وأعليت مراتبهم في الجنة، فهم أهل الحظوة والكرامة عند ربهم.
التفسير والبيان:
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ، لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي إذا قامت القيامة، ليس

لوقوعها صارف ولا دافع، ولا بد أن تكون، ولا يكون عند وقوعها تكذيب أصلا، ولا توجد نفس كاذبة منكرة لها كما كان الحال في الدنيا. والواقعة: اسم للقيامة كالآزفة والحاقة وغيرها، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها، كما جاء في آية أخرى: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ [الحاقة ٦٩/ ١٥]. وقوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها إشارة إلى أنها تقع دفعة واحدة.
خافِضَةٌ رافِعَةٌ تخفض أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، فتجعلهم في الجحيم، وهم الكفرة والفسقة، وترفع أقواما كانوا في الدنيا مغمورين، فتجعلهم في الجنة، وهم أهل الإيمان، لأن شأن الوقائع العظيمة إحداث تغيرات في موازين المجتمع، فترفع وتخفض.
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي إذا زلزلت وحركت الأرض تحريكا شديدا، فتهتز وترتج وتضطرب، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء وجبال.
وهذا كقوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزال ٩٩/ ١] وقوله:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج ٢٢/ ١].
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا أي فتتت الجبال فتا، وصارت كما قال تعالى:
كَثِيباً مَهِيلًا [المزمل ٧٣/ ١٤].
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا أي صارت غبارا متفرقا منتشرا، كالهباء الذي يطير من النار، أو الذي ذرته الريح وبثته.
وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة، وذهابها وتسييرها، وصيرورتها كالعهن المنفوش، بسبب نسفها من ربك.
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً أي وأصبحتم يوم القيامة منقسمين إلى ثلاثة أصناف: أهل اليمين أصحاب الجنة، وأهل اليسار أهل النار، والسابقون بين يدي الله عز وجل المقربون: وهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء.

ثم أوضح هذه الأصناف بقوله:
١- فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أي وأصحاب اليمين الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ويؤخذون إلى الجنة، فما أحسن حالهم وصفتهم وأكمل سعادتهم!! وقوله: ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ لتفخيم شأنهم وتعظيم أمرهم. والفاء:
تدل على التفسير، وبيان مورد التقسيم. وابتدأ بأهل اليمين ثم بأهل الشمال للترغيب بالثواب والترهيب بالعقاب، بعد التخويف من الواقعة.
٢- وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ أي وأصحاب الشمال الذين يتناولون كتبهم بشمائلهم، ويساقون إلى النار، فما أسوأ حالهم وأتعسهم!!
أخرج الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية:
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فقبض بيده قبضتين، فقال: «هذه للجنة ولا أبالي، وهذه للنار ولا أبالي».
٣- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي والسابقون من كل أمة إلى الإيمان والطاعة والجهاد والتوبة وأعمال البر، وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام والشهداء والصدّيقون والقضاة العدول، هم السابقون إلى رحمة الله، وهم المقرّبون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته، والمقيمون إلى الأبد في جنات النعيم. والإشارة بقوله: أُولئِكَ لعلو درجتهم، ورفعة مكانتهم.
أخرج الإمام أحمد عن عائشة عن رسول الله ﷺ أنه قال: «أتدرون من السابقون إلى ظلّ الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم».

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- وقوع القيامة أمر حتمي وحق ثابت لا ريب فيه، لا يستطيع أحد تكذيبه عند حدوثه كما كان يحصل في الدنيا، ولا يملك أحد أن يرده أو يدفعه.
٢- القيامة ترفع أقواما وهم أولياء الله إلى الجنة، وتخفض آخرين وهم أعداء الله إلى النار، لأن الوقائع الجسام تؤدي إلى التغيير الاجتماعي في تركيب المجتمع، فيعزّ قوم، ويذل آخرون.
٣- إذا وقعت الساعة، زلزلت الأرض وحركت واضطربت، ودمرت من عليها وما فوقها من المباني والقصور والجبال، وتفتّتت الجبال، وأصبحت غبارا منتشرا متفرقا، وزالت من أماكنها.
٤- يكون الناس يوم القيامة أصنافا ثلاثة: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون، والأولون أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ويعطون كتبهم بأيمانهم، وأصحاب المشأمة: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ويعطون كتبهم بشمائلهم، والسابقون: الأنبياء والمرسلون والمجاهدون والحكام العدول الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة والجهاد والتوبة والقضاء بالحق، وهم المقربون بين يدي الله تعالى.
وقسمة الخلق إلى ثلاثة أقسام دليل غلبة الرحمة، فلم يجعل الله سبحانه قسما رابعا وهم المتخلفون المؤخرون عن أصحاب الشمال، لشدة الغضب عليهم، في مقابل المقربين.
وهذه القسمة كقوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر ٣٥/ ٣٢] ولم يقل: منهم متخلف عن الكل.