آيات من القرآن الكريم

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
ﭹﭺ ﭼﭽ ﭿﮀ ﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ نزلت حين قالُوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟، وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.
خَلَقَ الْإِنْسانَ قال ابن عباس وقتادة: يعني آدم عليه السّلام.
عَلَّمَهُ الْبَيانَ أسماء كل شيء، وقيل: علّمه اللغات كلّها، وكان آدم عليه السّلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية، وقال آخرون: أراد جميع الناس لأن الإنسان اسم الجنس ثم اختلفوا في معنى البيان، فروي عن قتادة أنّه قال: علّمه بيان الحلال والحرام، وبيّن له الخير والشر، وما يأتي وما يذر ليحتج بذلك عليه.
وقال أبو العالية ومرّة الهمذاني وابن زيد: يعني الكلام. الحسن: النطق والتمييز. محمد ابن كعب: ما يقول وما يقال له. السدي: علّم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به. يمان: الكتابة والخط بالقلم. نظيره عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. ابن كيسان: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، عَلَّمَهُ الْبَيانَ يعني بيان ما كان وما يكون لأنه كان يبيّن عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين.
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي بحساب ومنازل لا تعدّونها، قاله ابن عباس وقتادة وأبو ملك.
قال ابن زيد وابن كيسان: يعني بهما بحسب الأوقات والأعمار والآجال، لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف نحسب شيئا، لو كان الدهر كلّه ليلا كيف نحسب؟ أو كلّه نهارا كيف نحسب؟ وقال الضحاك: يجريان بعدد. مجاهد: كحسبان الرحى يدوران في مثل قطب الرحا. السدي: بأجل كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا. نظيره كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى. يمان: يجريان بأهل الدنيا وقضائها وفنائها.
والحسبان قد يكون مصدر حسبت حسابا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان، وقد تكون جمع الحساب كالشهبان والرهبان والقضبان والركبان.
وارتفاع الشمس والقمر بإضمار فعل مجازه الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يجريان بِحُسْبانٍ، وقيل: مبتدأ وخبره فيما بعده.

صفحة رقم 177

ونظم الآية الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ وقدر الشمس والقمر، وقيل: هو مردود على البيان، أي عَلَّمَهُ الْبَيانَ، إن الشمس والقمر بحسبان.
ويقال: سعة الشمس ستة آلاف فرسخ وأربعمائة فرسخ في مثلها، وسعة القمر ألف فرسخ في ألف فرسخ.
مكتوب في وجه الشمس: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، خلق الشمس بقدرته، وأجراها بأمره، وفي بطنها مكتوب: لا إله إلّا الله، رضاه كلام، وغضبه كلام، ورحمته كلام، وعذابه كلام، وفي وجه القمر مكتوب: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، خلق الله القمر، وخلق الظلمات والنور، وفي بطنه مكتوب: لا إله إلّا الله خلق الخير والشر بقدرته، يبتلي بهما من يشاء من خلقه، فطوبى لمن أجرى الله الخير على يديه، والويل لمن أجرى الله الشر على يديه.
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. قيل: هو ما ليس له ساق من الأشجار، وينبسط على وجه الأرض، وقال السدّي: هو جمع النبات سمّي نجما لطلوعه من الأرض، وسجودها سجود ظلها، وقال مجاهد وقتادة: هو الكوكب، وسجوده طلوعه.
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال مجاهد: العدل، وقال الحسن والضحاك وقتادة:
هو الذي يوزن به ليوصل به الإنصاف والانتصاف، وقال الحسين بن الفضل: هو القرآن، وأصل الوزن التقدير.
أَلَّا تَطْغَوْا يعني لئلّا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ بالعدل، وقال أبو الدرداء: أقيموا لسان الميزان بالقسط، وقال ابن عيينة: الإقامة باليد والقسط بالقلب وَلا تُخْسِرُوا ولا تنقصوا الْمِيزانَ ولا تطففوا في الكيل والوزن.
قال قتادة في هذه الآية: اعدل يا بن آدم كما تحب أن يعدل عليك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن العدل صلاح الناس.
وقراءة العامة تُخْسِرُوا بضم التاء وكسر السين، وقرأ بلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين وهما لغتان.
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ للخلق، وقال الحسن: للجن والإنس، وقال ابن عباس والشعبي: لكلّ ذي روح.
فِيها فاكِهَةٌ يعني [ألوان] الفواكه، وقال ابن كيسان: يعني ما يفكههم به من النعم التي لا تحصى، وكل النعم يتفكه بها وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ أوعية التمر، واحدها: كم، وكل ما يسترنا فهو كم وكمة، ومنه كمّ القميص، ويقال: للقلنسوة: كمّة، قال الشاعر:

صفحة رقم 178

فقلت لهم كيلوا بكمّة بعضكم... دراهمكم إني كذاك أكيل «١»
قال الضحاك: ذاتُ الْأَكْمامِ أي ذات الغلف. الحسن: أكمامها: ليفها. قتادة: رقابها.
ابن زيد: الطلع قبل أن يتفتق.
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ قال مجاهد: هو ورق الزرع، قال ابن السكّيت: يقول العرب لورق الزرع: العصف والعصيفة والجل بكسر الجيم، قال علقمة بن عبدة:
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها... حدورها من أتيّ الماء مطموم «٢»
العصف: ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويبس. نظيره كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ.
وَالرَّيْحانُ قال مجاهد: هو الرزق، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق.
قال مقاتل بن حيان: الرَّيْحانُ: الرزق بلغة حمير. قال الشاعر:
سلام الإله وريحانه... ورحمته وسماء درر «٣»
سعيد بن جبير عن ابن عباس: الرَّيْحانُ: الريع. الضحّاك: هو الطعام. قال: فالعصف هو التين وَالرَّيْحانُ ثمرته. الحسن وابن زيد: هو ريحانكم هذا الذي يشم. الوالبي عن ابن عباس:
هو خضرة الزرع. سعيد بن جبير: هو ما قام على ساق.
وقراءة العامة (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) كلّها مرفوعا بالرد على الفاكهة، ونصبها كلّها ابن عامر على معنى خلق هذا الإنسان وخلق هذه الأشياء، وقرأ أهل الكوفة إلّا عاصم (وَالرَّيْحانِ) بالجر عطفا على العصف.
فَبِأَيِّ آلاءِ نعم رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أيها الثقلان.
يدل عليه ما
أخبرنا الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم الحنبلي قال:
حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدّثنا عبد الوهاب الوراق قال: حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني قال: حدّثنا هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا وهب ابن محمد عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة الرّحمن حتى ختمها. ثم قال: «ما لي أراكم سكوتا؟ للجن أحسن منكم ردّا، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلّا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب» [١٦٥] «٤».

(١) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٥٦.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٥٧، لسان العرب: ٤/ ١٢١ وفيه:
تسقي مذانب قد طالت عصيفتها... جدورها من أتى الماء مطموم.
(٣) الصحاح ١/ ٣٧١. [.....]
(٤) كنز العمال: ٢/ ٣٢٥ ج ٤١٤٦.

صفحة رقم 179
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية