جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الاغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع او صالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد أشير الى سركون بيان أمثال هذه الأمور من قبيل الآلاء مرارا فالآلاء في أمثالها حكاياتها فقط للانزجار مما يؤدى الابتلاء بها من الكفر والمعاصي بخلاف ما فصل في أول السورة الى قوله كل يوم إلخ فانها نعم واصلة إليهم في الدنيا وكذلك حكاياتها من حيث إيجابها للشكر والمثابرة على ما يؤدى الى استدامتها وفي الآية اشارة الى الكاسبين بقدم مخالفة الشرع وموافقة الطبع الصفات الذميمة واخلاق الرذيلة وهم يطوفون بين نار المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية وبين حميم الجهل فانه لا يقطع العطش ولا يروى الظمآن وانما ينفع للانسان في الدنيا والآخرة العلم القطعي والكشف الصحيح ألا ترى الى علوم أهل الجدل فانها في حكم الجهل لان أهلها منغمسون في الشهوات واللذات مستغرقون في الأوهام والخيالات ولما نبه الله الامام الغزالي رحمه الله وأيقظه ونظر فاذا علومه التي صرف شطرا من عمره فى تعلمها وتعليمها لا تنقذه في الآخرة رجع الى كتب الصوفية فتيقن انه ليس أنفع من علومهم لكون معاملاتها ذات الله وصفاته وأفعاله وحقائق القرآن وأسراره فترك التدريس ببغداد وخرج الى طلب أهل تلك العلوم حتى يكون منها على ذوق بسبب صحبتهم فوفقه الله فكان من امره ما كان وقد قال ابو يزيد البسطامي قدس سره أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت وقال الامام فخر الدين للشيخ نجم الدين قدس سره بم عرفت ربك قال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفوس في تكذيبها فالنفس كجهنهم فيها نار الشهوات وحميم الجهالات فمن زكاها في الدنيا عن أوصافها نجا يوم القيامة من الاحتراق والافتراق نعوذ بالله من سوء الحال وسيئات الأعمال وقبائح الأحوال
نمى تازد اين نفس سركش چنان
كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان برآيد بزور
مصاف پلنگان نيايد زمور
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وبراى كسى كه بترسد از ايستادن پيش خداى تعالى وهو شروع فى تعداد النعم الفائضة عليهم في الآخرة بعد تعداد ما وصل إليهم في الدنيا من الآلاء الدينية والدنيوية والمقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذين يقف فيه العباد للحساب كما قال يوم يقوم الناس لرب العالمين فالاضافة للاختصاص الملكي إذ لا ملك يومئذ الا لله تعالى قال في عين المعاني نزلت في أبى بكر رضى الله عنه حين شرب لبنا على ظمأ فأعجبه ثم أخبر أنه من غير حل فاستقاء فقال صلّى الله عليه وسلّم لما سمعه رحمك الله لقد أنزلت فيك آية ودخل فيه من يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله جَنَّتانِ جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى على طريق التوزيع فان الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما او لكل واحد جنة لعقيدته واخرى لعمله او جنة لفعل الطاعات واخرى لترك المعاصي او جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه او روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد وقال في الموضح دو باغ دهد ايشانرا در بهشت كه يكى از ايشان صد ساله راه طول وعرض داشته باشد
صفحة رقم 304
ولا تخزنوا وأبشروا بالجنة
اندوه غريبان بسر آيد روزى
در كار غريبان نظر آيد روزى
ترسند كانرا واندوه كنانرا چهار بهشت است دو بهشت سيمين ودو بهشت زرين كما قال عليه السلام جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وفي التأويلات النجمية يشير الى من يخاف مقام الشهود ابقاء على نفسه لان الشهود الحقيقي يفنى الشاهد عن شاهديته في المشهود ويبقيه بالمشهود من آخر مراتب المشاهدة إذ لا لذة في أوائل المشاهدة واليه أشار عليه السلام بقوله اللهم ارزقنا لذة النظر الى لقائك وبهذا المعنى كان يقول لعائشة رضى الله عنها حين يغيب عن حسه كلمينى يا حميراء للتبليغ والإرشاد وقوله جنتان اى جنته الفناء في نعمة المشهود وجنة البقاء بالمشهود قوله مقام ربه اى مقام شهود ربه بحذف المضاف فباى آلاء ربكما تكذبان من نعمة الفناء في الله ونعمة البقاء بالله ذَواتا أَفْنانٍ صفة لجنتان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيها على ان تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للانكار والتوبيخ وذواتا تثنية ذات بمعنى صاحبة وفي تثنيتها لغتان الرد على الأصل فان أصلها ذوية لانها مؤنثة ذوى والتثنية على اللفظ أن يقال ذاتا والأفنان جمع فن اى ذواتا انواع من الأشجار والثمار او جمع فنن وهو الغصن المستقيم طولا او الذي ينشعب من فروع الشجرة اى ذواتا أغصان متشعبة من فروع الشجرة وتخصيصها بالذكر لانها التي تورق وتثمر وتمد الظل وتجتنى منها الثمار يعنى ان في الوصف تذكيرا لها على سبيل الكناية كأنه قيل ذواتا أوراق واثمار واظلال فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وليس فيها شيء يقبل التكذيب فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ صفة اخرى لجنتان فصل بينهما بقوله فبأى إلخ مع انه لم يفصل به بين الصفات الكائنة من قبيل العذاب حيث قال يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس مع ان إرسال النحاس غير إرسال الشواظ اى في كل واحدة منهما عين من ماء غير آسن تجرى كيف يشناء صاحبها في الأعالي والأسافل لما علم من وصف انهار الجنة لا من حذف المفعول وقيل تجريان من جبل من مسك عن ابن عباس والحسن رضى الله عنهم تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والاخرى السلسبيل وقال ابو بكر الوراق رحمه الله فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الى الله تعالى
بر ان از دو سر چشمه ديده جوى
ور آلايشى دارى از خود بشوى
نريزد خدا آبروى كسى
كه ريزد كناه آب چشمش بسى
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وفيه اشارة الى أن في جنة الفناء عينا يجرى فيها ماء الحياة وهى البقاء بعد الفناء وفي جنة البقاء عينا يجرى فيها ماء العلم والمعرفة والحكمة والبقاء بعد الفناء يستلزم أنواع المعارف والحكم واصناف الموائد والنعم فبأى آلاء ربكما تكذبان يا اصحاب السكر والغيبة ويا ارباب الصحور والحضو كما في التأويلات النجمية فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ صنفان معهود وغريب لم يره أحد ولم يسمع او رطب ويابس او حلو وحامض ويقال لونان وقيل في المنظر دون المطعم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما في الدنيا
صفحة رقم 306