آيات من القرآن الكريم

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ
ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ

وكذلك قال مجاهد: هو ورق الزَّرع. قال ابن قتيبة: العَصْف: ورق الزَّرع، ثم يصير إذا جفَّ ويبِس ودِيس تبناً. والثاني: أن العَصْف: المأكول من الحبِّ، حكاه الفراء.
وفي «الرّيحان» أربعة أقوال: أحدها: أنه الورق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي. قال الفراء: الرّيحان في كلام العرب: الرّزق، يقولون: خرجنا طلب رَيْحان الله، وأنشد الزجاج للَّنمِر بن تَوْلب:

سلامُ الإلهِ ورَيْحانُه ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ
والثاني: خُضرة الزَّرع، رواه الوالبي عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا سُمِّي رَيْحاناً، لاستراحة النَّفْس بالنظر إِليه. والثالث: أنه رَيحانكم هذا الذي يُشَمُّ، روى العوفي عن ابن عباس قال: «الرَّيْحان» : ما أَنبتت الأرضُ من الرَّيْحان، وهذا مذهب الحسن والضحاك وابن زيد. والرابع: أنه ما لم يؤكل من الحَبّ، والعَصْف: المأكول منه، حكاه الفراء.
قوله عز وجل: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفراء: أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بيَّنّا في قوله:
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ «١». والثاني: أن الذِّكر أريد به: الإنسان والجانّ، فجرى مجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها. قال الزجاج: لمّا ذكر اللهُ تعالى في هذه السورة ما يدُلُّ على وحدانيته من خَلْق الإنسان وتعليم البيان وخَلْق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجنّ والإنس، فقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي: فبأيِّ نِعَم ربِّكما تُكذِّبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلَّها مُنْعَم بها عليكم في دلالتها إيّاكم على وحدانيَّته وفي رزقه إيّاكم ما به قِوامكم. وقال ابن قتيبة: الآلاء: النِّعم، واحدها: ألا، مثل: قفا، وإلا، مثل: معى.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢٥]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
قوله عزّ وجلّ: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني آدم مِنْ صَلْصالٍ قد ذكرنا في الحجر «٢» الصَلْصال والجانَّ. فأمّا قوله: كَالْفَخَّارِ فقال أبو عبيدة: خُلق من طينٍ يابس لم يُطْبَخ، فله صوتٌ إذا نُقِر، فهو من يابسه كالفخّار. والفخّار: ما طبخ بالنّار. وأمّا المارِج، فقال ابن عباس: هو لسان النار الذي يكون في طرفها إِذا التهبت. وقال مجاهد: هو المختلِط بعضُه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أُوقِدَتْ. وقال مقاتل: هو لهب النار الصافي من غير دخان. وقال أبو عبيدة: المارج: خَلْط من النار. وقال ابن قتيبة: المارج: لهب النار، من قولك: قد مَرِجَ الشيءُ: إذا اضطرب ولم يستقرّ. وقال الزجاج: هو اللهب المختلط بسواد النّار. وإن قيل قد أخبر الله تعالى عن
(١) ق: ٢٤.
(٢) الحجر: ٢٦- ٢٧.

صفحة رقم 207

خَلْق آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة، فتارة يقول: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ «١»، وتارة: «مِن صَلْصالٍ»، وتارة: «مِنْ طِينٍ لازِبٍ» «٢»، وتارة: «كالفخّار»، وتارة: «من حمأ مسنون» «٣» فالجواب: أن الأصل التراب فجُعل طيناً، ثم صار كالحمإِ المسنون، ثم صار صَلصالاً كالفَخّار، فهذه أخبار عن حالات أصله. فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله: «فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ» الجواب أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها. قال ابن قتيبة: من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز لأن افتنان المتكلّم والخطيب في الفنون أحسن من اختصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ، يقول القائل: واللهِ لا أفعله، ثم واللهِ لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله، كما تقول: واللهِ أفعلُه، بإضمار «لا» إذا أراد الاختصار، ويقول القائل للمستعجل: اعْجَل اعْجَل، وللرامي: ارمِ ارمِ، قال الشاعر:
كَمْ نِعْمَةٍ كانَتْ له وَكمْ وَكمْ
وقال الآخر:
هلا سألت جموع كندة... يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنا «٤»
وربَّما جاءت الصِّفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانيةً لأنها كلمة واحدةٌ، فغيَّروا منها حرفاً ثم أتبعوها الأولى، كقولهم، عَطْشَانُ نَطْشَان، وشَيطان لَيْطان، وحَسَنٌ بَسَنٌ. قال ابن دريد: ومن الإتباع: جائع نائع، ومليح قريح، وقبيح شَقِيح، وشَحيح نَحيح، وخبيث نبيث، وكثير نثير، وسيِّغ لَيِّغ، وسائغ لائغ، وحَقير نَقير، وضَئيل بئيل، وخضر مضر، وعقريب نقريب، وثِقَةٌ نِقَةٌ، وكِنٌّ إنٌّ، وواحدٌ فاحدٌ، وحائرٌ بائر، وسمج لمج. قال ابن قتيبة: فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه، ونبَّههم على قُدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها، كقولك للرجل: أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً؟ أفتُنْكِرُ هذا؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ؟
أفَتُنْكِرُ هذا؟.
(١٣٨٢) وروى الحاكم أبو عبد الله في «صحيحه» من حديث جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا

ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٢٩١ والحاكم ٣٧٦٦ من طريق عبد الرحمن بن واقد عن الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر به. وإسناده واه، زهير منكر الحديث في رواية أهل الشام عنه، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم ٣٧٦٦ وابن عدي ٣/ ٢١٩ وأبو الشيخ في «العظمة» ١١٢٣ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢١٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٣٢ من طريق هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم بالإسناد السابق. وأخرجه البيهقي ٢/ ٢٣٢ من طريق مروان بن محمد قال: حدثنا زهير بن محمد به. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد. قال ابن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه.
يعني لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة اه. وله شاهد من حديث ابن عمر: أخرجه البزار
__________
(١) آل عمران: ٥٩.
(٢) الصافات: ١١.
(٣) الحجر: ٢٩. [.....]
(٤) البيت للشاعر عبيد بن الأبرص ديوانه: ص ١٤٢ والشعر والشعراء: ١/ ٢٢٤.

صفحة رقم 208

رسول الله صلّى الله عليه وسلم سورة الرّحمن حتى ختمها ثم قال: «ما لي أراكم سكوتاً؟! لَلْجِنُّ كانوا أحسنَ منكم ردّاً، ما قرأتُ عليهم هذه الآية من مَرَّة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إِلاّ قالوا: ولا بشيء من نِعمك ربَّنا نكذِّب فلك الحمد».
قوله عزّ وجلّ: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ قرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: «ربِّ المشْرِقَيْن وربِّ المَغْرِبَيْن» بالخفض، وهما مَشْرِق الصَّيف ومَشْرِق الشتاء ومَغْرِب الصَّيف ومَغْرِب الشتاء للشمس والقمر جميعاً.
قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي: أرسل العذبَ والمِلْحَ وخلاهما وجعلهما يَلْتَقِيانِ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أي: حاجز من قدرة الله تعالى لا يَبْغِيانِ أي: لا يختلطان. فيبغي أحدهما على الآخر. وقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كلَّ عام. وقال الحسين: «مَرَجَ البحرين» يعني بحر فارس والروم، بينهما برزخ، يعني الجزائر وقد سبق بيان هذا في الفرقان «١». قوله عزّ وجلّ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قال الزجاج: إنما يخرُج من البحر المِلْحِ، وإنما جمعهما، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أُخرج منهما، ومثله وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً «٢». وقال أبو علي الفارسي: أراد: يخرُج من أحدهما، فحذف المضاف. وقال ابن جرير: إنما قال «منهما» لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء. فأمّا اللُّؤلؤ والمرجان، ففيهما قولان: أحدهما: أن المرجان: ما صَغُر من اللُّؤلؤ، واللُّؤلؤ:
العظام، قاله الأكثرون، منهم ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والفراء. وقال الزجاج: اللُّؤلؤ: اسم جامع للحَبِّ الذي يخرج من البحر، والمرجان: صِغاره. والثاني: أن اللُّؤلؤ: الصِّغار، والمرجان:
الكبار، قاله مجاهد، والسدي، ومقاتل. قال ابن عباس: إذا أمطرت السماء، فتحت الأصدافُ أفواهها، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ وقال ابن جريج. حيث وقعت قطرةٌ كانت لؤلؤة. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللُّغويّ قال: ذكر بعضُ أهل اللُّغة أن المَرجان أعجميّ معرَّب. قال أبو بكر،

٢٢٦٩ من طريق عمرو بن مالك البصري عن يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٤/ ٣٠١ والطبري ٣٢٩٢٨ من طريق محمد بن عباد بن موسى عن يحيى بن سليم الطائفي به. وقال الهيثمي في «المجمع» ٧/ ١١٨: رواه البزار عن شيخه عمرو بن مالك الراسبي، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: جزم الحافظ في «التقريب» بضعفه، وقال الذهبي في «الميزان» ٣/ ٢٨٥ ضعفه أبو يعلى، وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وتركه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات اه والظاهر أن ابن حبان ما عرفه. وتابعه محمد بن عباد بن موسى عند الطبري والخطيب كما تقدم، ومحمد هذا ضعيف، والظاهر أنه سرقه من عمرو بن مالك. وقال ابن عدي ٣/ ٢١٩: هذا حديث لا يعرف إلا بهشام بن عمار، وقد سرقه جماعة من الضعفاء ذكر منهم في كتابي هذا، فحدثوا به عن الوليد وهم سليمان بن أحمد الواسطي وعلي بن جميل السرّقي وعمرو بن مالك البصري وبركة بن محمد الحلبي، والحديث، فهشام. أي عن الوليد عن زهير بن محمد وبه يعرف.
تنبيه: ولم يتنبه الألباني إلى هذا الوارد عن ابن عدي، فجعل حديث ابن عمر شاهدا لحديث جابر فحكم بحسنه في «الصحيحة» ٢١٥٠ والصواب أنه غير شاهد وإنما سرقه عمرو بن مالك وغيره وركبوا له هذا الإسناد عن ابن عمر ولو كان كذلك لرواه الأئمة الثقات، ولكن كل ذلك لم يكن، والمتن منكر فمتى كان الجن أحسن فهما من الصحابة؟!! كما هو مدلول هذا الخبر.
__________
(١) الفرقان: ٥٣.
(٢) نوح: ١٦.

صفحة رقم 209
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية