آيات من القرآن الكريم

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ
ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ

وهى قصيدة طويلة على هذا النسق، ولها نظائر أيضا فى رثائه، ولولا خشية التطويل لأوردنا شيئا منها. وعدلا أي مثلا ونظيرا.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢٥]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)
تفسير المفردات
الصلصال: الطين اليابس الذي له صلصلة وصوت إذا نقر، والفخار: الخزف وهو الطين المطبوخ، والجان: نوع من الجن، والمارج: اللهب الخالص الذي لا دخان فيه، رب المشرقين: أي مشرقى الشمس صيفا وشتاء، ورب المغربين: أي مغربيهما كذلك، مرج البحرين: أي أرسلهما وأجراهما من قولك مرجت الدابة فى المرعى:
أي أرسلتها فيه، يلتقيان: أي يتجاوران وتتماس سطوحهما لا فصل بينهما فى رأى العين، برزخ: أي حاجز، لا يبغيان: أي لا يبغى أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال خاصته، واللؤلؤ: الدر المخلوق فى الأصداف، والمرجان: الخرز الأحمر، الجواري: السفن الكبار، المنشئات: أي المصنوعات، والأعلام: الجبال واحدها علم وهو الجبل العالي.

صفحة رقم 110

المعنى الجملي
بعد أن عدد سبحانه كثيرا من النعم وكان بعضها يحتاج إلى زيادة إيضاح وبيان كخلق الإنسان، وحساب الشمس والقمر، وأسباب نمو الزرع والشجر- فصل أحوالها على الترتيب السابق.
الإيضاح
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) أي خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام من طين يابس له صلصلة إذا نقر، وهو كالخزف المطبوخ فى صلابته.
إيضاح هذا أن الطين المطبوخ مركب من الطين والحرارة التي أنضجته وسوّته لتحفظ كيانه وهكذا الإنسان له شهوة الطعام والشراب والتزاوج، لتبقى بنيته وتدوم حياته بالمادة الأرضية التي اجتذبها النبات من الأرض، وله قوة غضبية تورثه الشجاعة والقوة، ليحافظ على بقائه وحياته، ويمنع عن نفسه عاديات الكواسر، ومهاجمات الجيوش والأعداء المحيطة به من كل جانب، وهذه القوة فى الإنسان تقابل طبخ الطعام ليصير فخارا، فتتماسك أجزاؤه، ولولاها لما استطاع المحافظة على هيكله المنصوب، وجسمه المحبوب، من الكواسر وأهل القسوة من بنى الإنسان، ولأصبح قتيلا فى الفلوات تأكله الطير، أو تهوى بأجزائه الريح فى مكان سحيق، كما أن الطين إذا لم يطبخ يتفتت وتذروه الرياح أو يذوب فى أجزاء الأرض.
وقد جاء فى الكتاب الكريم عبارات مختلفة فى خلق الإنسان باعتبار مراتب الخلق، فمرة قال إنه خلقه من تراب وأخرى قال إنه من طين لازب: أي لاصق باليد لما اختلط به من الماء، وهنا قال من صلصال.

صفحة رقم 111

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) أي وخلق الجن من النار الصافية المختلط بعضها ببعض، فمن لهب أصفر إلى أحمر إلى مشوب بالخضرة، فكما أن الإنسان من عناصر مختلفات، فالجانّ من أنواع من اللهب مختلطات.
ولقد أظهر الكشف الحديث أن الضوء مركب من ألوان سبعة، ولفظ (المارج) يشير إلى ذلك، وإلى أن اللهب مضطرب دائما.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مما أفاض عليكما فى تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم.
روى نافع عن ابن عمر قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ سورة الرحمن أو قرئت عنده فقال: مالى أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟ قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال ما أتيت على قول الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالت الجن: لا بشىء من نعمة ربنا نكذب».
ولما فرغ من إيضاح خلق الإنسان شرع يوضح خلق الشمس والقمر بحسبان قال:
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) أي رب مشرقى الصيف والشتاء ومغربيهما، اللذين يترتب عليهما تقلب الفصول الأربعة، وتقلب الهواء وتنوعه، وما يلى ذلك من الأمطار والشجر والنبات والأنهار الجاريات.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى نعمة من هذه النعم تكذبان؟ أفتنكران الأمطار وفوائدها؟ أم تنكران ما لاختلاف الفصول من منافع، فبها تختلف صنوف المزروعات من صيفية إلى شتوية، أم تنكران ما لاختلاف الأجواء من مزايا فى تنظيم مزاج الإنسان والحيوان.
ولما ذكر نعمه التي تترى على عباده فى البر أعقبها بنعمه عليهم فى البحر فقال:
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) أي أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين لا يبغى أحدهما على الآخر، فلا الملح يطغى على العذب فيجعله ملحا، ولا العذب يجعل البحر الملح مثله، فقد حجز بينهما ربهما بحاجز من

صفحة رقم 112

قدرته، أو بحاجز من الأجرام الأرضية، فترى نهر النيل بمصر يخرج من جبال الحبشة، ويجرى شمالا ختى يصب فى البحر الأبيض المتوسط، ولا يبغى أحدهما على الآخر.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) أي فبأى هذه المنافع تكذبان؟ إذ لو بغى الملح على العذب لم نجد ماء للشرب ولا لسقى الحيوان والنبات ولم نجد ما نقتات به فنهلك جوعا، ولو بغى العذب على الملح لم نجد ما يصلح الهواء ويمنع عاديات الجراثيم التي فيه.
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وقد ثبت فى الكشف الحديث أن اللؤلؤ كما يستخرج من البحر الملح يستخرج من البحر العذب، وكذلك المرجان وإن كان الغالب أنه لا يستخرج إلا من الماء الملح.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى هذه النعم تكذبان؟
(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) أي وله السفن الكبار التي رفعت شرعها فى الهواء كالجبال الشاهفة، تجرى فى البحر بما ينفع الناس، فتنقل المتاجر من بلد إلى آخر، والأقوات من إقليم هى كثيرة فيه إلى آخر هو محروم منها، وبذا يتمّ تبادل السلع، وسدّ حاجات الأمم فى أقواتها ومشاربها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى هذه النعم تكذبان- أبخلق موادّ السفن أم بكيفية تركيبها، أم بإجرائها فى البحر بأسباب لا يقدر عليها غيره سبحانه.
أي عبادى، هل ظننتم أن مجرد الإيمان كاف لكم فى شكر هذه النعم، فهل خلقت الشمس والقمر والنجم والشجر والزرع والحب، والأنهار والبحار، والدّر والمرجان لقوم لا يعقلون، أو خلقتها لقوم يقبلون منى النعمة، وكيف يقبلونها دون أن يعرفوها؟
(٨- مراغى- السابع والعشرون)

صفحة رقم 113
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية