
ع «١» : وفي هذا النوع نعمة عظيمة، ففيه الأزهار، والمِنْدَلُ والعقاقير، وغير ذلك، وقرأ الجمهور «٢» :«وَالرَّيْحَانُ» بالرفع عطفاً على «فاكهة» وقرأ حمزة والكسائيُّ:
«وَالرَّيْحَانِ» بالخفض عطفاً على «العَصْف»، ف «الريحان» على هذه القراءة: الرزق، ولا يدخل فيه المشمومُ إلاَّ بتكَلُّفٍ، و «ريحان» أصله «رَوْحَان» فهو من ذوات الواو و «الآلاء» : النِّعَمُ، والضمير في قوله: رَبِّكُما للجن والإنس اللَّذَيْن تضمَّنهما لفظُ الأَنامِ، وأيضاً ساغ تقديمُ ضميرهما عليهما لذكر/ الإنسان والجانِّ عَقِبَ ذلك، وفيه اتساع، وقال منذر بن سَعِيدٍ: خُوطِبَ مَنْ يعقِلُ لأَنَّ المخاطبة بالقرآن كُلِّه هي للإنس والجن «٣»، وعن جابر قال: «قرأ علينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سُورَةَ الرحمن، حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: «مَالي أَرَاكُمْ سُكُوتاً؟! لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ رَدًّا مِنْكُمْ مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيةَ مِنْ مَرَّةٍ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلاَّ قَالُوا: لاَ بشيء من نعمك ربّنا نكذّب» «٤».
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٢١]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١)
وقوله سبحانه: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الآية: اخْتُلِفَ في اشتقاقِ «الصَّلْصَال» فقيل: هو من صلّ: إذا أنتن، فهي إشارة إلى
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٥)، و «البحر المحيط» (٨/ ١٨٨- ١٨٩)، و «السبعة» (٦١٩)، و «الحجة» (٦/ ٢٤٥)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٣٣٣)، و «معاني القراءات» (٣/ ٤٤)، و «شرح الطيبة» (٦/ ٢٩)، و «العنوان» (١٨٤)، و «حجة القراءات» (٦٩٠)، و «شرح شعلة» (٥٩٣)، و «إتحاف» (٢/ ٥٠٩).
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٦).
(٤) أخرجه الترمذي (٥/ ٣٩٩)، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة الرحمن (٣٢٩١)، والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٧٣)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢/ ٢٣٢)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٨٩)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ في «العظمة»، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريبٌ لا نعرفه إِلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمّد، قال أحمد بن حنبل: كان زهير بن محمّد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعني لما يرون عنه من المناكير، وسمعت محمّد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمّد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة. اهـ من كلام الترمذي.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

الحَمْأَةِ، وقال الجمهور: هو من صَلَّ: إذَا صَوَّتَ، وذلك في الطين لجودته، فهي إشارة إلى ما كان في تربة آدم من الطين الحُرِّ وذلك أَنَّ اللَّه تعالى خلقه من طين مختلِفٍ، فمرَّةً ذكر في خلقه هذا، ومرَّةً هذا، وكُلُّ ما في القرآن صفاتٌ ترددتْ على التراب الذي خُلِقَ منه، و «الفَخَّارُ» : الطين الطَّيِّبُ إذا مَسَّهُ الماء فخر، أي: رَبَا وَعَظُمَ، والجانُّ: اسم جنس كالجِنَّةِ، قال الفخر: وفي الجانِّ وجه آخر: أنَّه أبو الجنِّ، كما أَنَّ الإنسان هنا أبو الإنْسِ خُلِقَ من صَلْصَالٍ، ومَنْ بعده خُلِقَ من صُلْبِهِ. كذلك الجَانُّ هنا أبو الجَنِّ خُلِقَ من نارٍ، ومَنْ بعده من ذرِّيَّتِهِ، انتهى، و «المارج» : اللهب المُضْطَرِبْ من النار، قال ابن عباس «١» :
وهو أحسنُ النَّارِ المختلِطِ من ألوانٍ شتى، قال أبو حيَّان «٢» : المَارِجُ المختلِطُ من أصْفَر، وأخضَرَ، وأحْمَرَ، انتهى.
وكَرَّرَ سبحانه قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ تأكيداً وتنبيهاً للنفوس، وتحريكاً لها، وهذه طريقة من الفصاحة معروفة، وهي من كتاب اللَّه في مواضع وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، / وفي كلام العرب، وذهب قوم إلى أَنَّ هذا التكرار إنَّما هو لما اختلفت النعم المذكورة كَرَّرَ التوقيفَ مع كُلِّ واحدة منها، قال ع «٣» : وهذا حسَنٌ، وقال الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: التكرار لِطَرْدِ الغَفْلَةِ، وللتأكيد «٤»، وخَصَّ سبحانه ذكرَ المَشْرِقَيْنِ والمغربين بالتشريف في إضافة الرب إليهما لعظمهما في المخلوقات.
ت: وتحتمل الآية أَنْ يرادَ المشرقين والمغربين وما بينهما كما هو في «سورة الشعراء» واختلف الناس في الْبَحْرَيْنِ قال ع «٥» : والظاهر عندي أَنَّ قوله تعالى: الْبَحْرَيْنِ يريد بهما نَوْعَي الماءِ العَذْبِ والأُجِاجِ، أي: خلطهما في الأرض، وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض، قريب بعضهما من بعض، ولا بَغْيَ، قال ع «٦» : وذكر الثعلبيُّ في مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ألغازاً وأقوالاً باطنةً يجب ألّا يلتفت إلى شيء منها.
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٨/ ١٨٩).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٦).
(٤) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٦).
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٧).
(٦) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٧).