
(٥٥) سورة الرحمن مدنيّة وآياتها ثمان وسبعون
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
اللغة:
(الْبَيانَ) في اللغة: المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضمير، وفي الاصطلاح أحد فنون البلاغة الثلاثة وهو يبحث في التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية وقد تقدمت أمثلتها في هذا الكتاب. صفحة رقم 395

(بِحُسْبانٍ) الحسبان: مصدر حسبته أحسبه حسابا وحسبانا وقيل هو جمع حساب كشهاب وشهبان ورغيف ورغفان.
(النَّجْمُ) من النبات ما لم يقم على ساق نحو العشب والبقل والشجر ما قام على ساق وأصله الطلوع يقال: نجم القرن والنبات إذا طلعا وبه سمي نجم السماء وقيل نجم السماء وحده وأراد به جميع النجوم.
(القسط) العدل إنما فعلوه مستقيما بالعدل وقال أبو عبيدة:
الإقامة باليد والقسط بالقلب.
(الْأَكْمامِ) جمع كم وهو وعاء الزهرة وفي الصحاح: «والكم بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النور والجمع كمام وأكمة وأكمام وأكاميم أيضا والكمام بالكسر والكمامة أيضا ما يكمّ به فم البعير لئلا يعضّ يقال منه بعير مكموم أي محجوم وتكممت الشيء غطيته والكم ما ستر شيئا وغطّاه ومنه كمّ القميص بالضم والجمع كمام وكممة والكمّة القلنسوة المدورة لأنها تغطّي الرأس».
(الْعَصْفِ) الذي يعصف فيؤكل من الزرع وقيل: العصف ورق كل شيء يخرج منه الحب.
(الرَّيْحانُ) في المختار: «الريحان نبت معروف وهو الرزق أيضا، والعصف ساق الزرع والريحان ورقه عند الفرّاء» وقيل العصف التبن وفي الأساس «وصاروا كعصف الزرع وهو حطام التبن ودقاقه».
(آلاءِ) نعم واحدها إلى، وألى مثل معى وحصى وإلى وألي أربع نعات.

الإعراب:
(الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ) الرحمن مبتدأ وجملة علم القرآن خبر وقد تعددت الأخبار في الأفعال التي وردت خلوّا من العاطف على نمط التعديد وإقامة الحجة على الكافرين، وهذا عند من لا يرى الرحمن آية ومن عدّها آية أعرف الرحمن خبر لمبتدأ محذوف أي الله الرحمن أو مبتدأ خبره محذوف أي الرحمن ربنا وعلّم يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما لشموله أي علم من يتعلم وهذا أولى من تخصيص المفعول الأول المحذوف بواحد معين (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وعلّمه البيان فعل ماض وفاعل مستتر ومفعولاه والألف واللام في الإنسان للجنس (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) الشمس مبتدأ والقمر عطف عليه وبحسبان خبر الشمس (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) عطف على ما تقدم وجملة يسجدان خبر النجم (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) الواو عاطفة والسماء مفعول به بفعل محذوف يفسره المذكور وجملة رفعها مفسرة لا محل لها ووضع الميزان فعل وفاعل مستتر ومفعول به (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أن مصدرية ولا نافية وتطغوا فعل مضارع منصوب بأن المصدرية وأن وما بعدها في محل نصب بلام العلّة مقدّرة والجار والمجرور في محل نصب مفعول لأجله ويجوز أن تكون أن مفسّرة ولا ناهية وتطغوا مجزوم بلا فإن قيل إن من شرط المفسّرة أن تكون مسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه قلنا: إن وضع الميزان يستدعي كلاما من الأمر بالعدل فيه (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) الواو حرف عطف وأقيموا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والوزن مفعول به وبالقسط حال أي افعلوه مستقيما بالعدل والواو حرف عطف ولا ناهية وتخسروا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والميزان مفعول به (وَالْأَرْضَ وَضَعَها

لِلْأَنامِ)
الواو حرف عطف والأرض مفعول به لفعل محذوف يفسّره المذكور وجملة وضعها مفسّره لا محل له وللأنام متعلقان بوضعها أي وطأها وجعلها مدحوة للخلق (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) فيها خبر مقدم وفاكهة مبتدأ مؤخر والنخل عطف على فاكهة وذات الأكمام صفة للنخل والجملة في محل نصب على الحال من الأرض (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) عطف على ما تقدم فالثلاثة في قراءة العامة معطوفات على فاكهة وفي قراءة ابن عامر بنصب الثلاثة بفعل محذوف تقديره خلق (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الفاء الفصيحة وبأي متعلقان بتكذبان وآلاء مضاف إليه وربكما مضاف لآلاء وتكذبان فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وألف التثنية فاعل والخطاب للثقلين الإنس والجن وسيصرّح به. هذا وقد تكررت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة وسيأتي السر في تكريرها في باب البلاغة.
البلاغة:
١- التكرير: في قوله «فبأيّ آلاء ربكما تكذبان» تكرير عذب وقد تقدم القول فيه والسر في تكرير الآية عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه وبعد آيات فيها ذكر النار وشدائدها لأن من جملة الآلاء رفع البلاء وتأخير العقاب والتقرير بالنعم المعدودة والتأكيد في التذكير بها كلها ولأن من علامات العاطفة المحتدمة هذا التكرير، قالت ليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحميّر:
لنعم الفتى يا توب كنت ولم تكن | لتسبق يوما كنت فيه تحاول |
ونعم الفتى يا توب كنت لخائف | أتاك لكي تحمي ونعم المجامل |
ونعم الفتى يا توب كنت إذا التقت | صدور المعالي واستثال الأسافل |
ونعم الفتى يا توب جارا وصاحبا | ونعم الفتى يا توب حين تناضل |