آيات من القرآن الكريم

وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ
ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ

سجوده. وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ قال: نجوم السماء، وأشجار الأرض، يسجدان بكرة وعشياً.
ثم قال عز وجل: وَالسَّماءَ رَفَعَها يعني: من الأرض مسيرة خمسمائة عام وَوَضَعَ الْمِيزانَ يعني: أنزل الميزان للخلق، يوزن به، وإنما أنزل في زمان نوح- عليه السلام-، ولم يكن قبل ذلك ميزان أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ يعني: لكي لا تظلموا في الميزان. ويقال:
ووضع الميزان. يعني: أنزل العدل في الأرض ألا تطغوا فى الميزان. يعني: لكي لا تميلوا عن العدل وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ يعني: اعدلوا في الوزن وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ يعني: لا تنقصوا حقوق الناس في الوزن. ويقال: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ يعني: أقيموا اللسان بالقول، وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ يعني: لا تقولوا بغير حق. وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ يعني: بسط الأرض للخلق فِيها فاكِهَةٌ يعني: وخلق من الأرض، من ألوان الفاكهة، وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ يعني: ذات النخيل الطويل، الموقرة بالطلع، ذات الخلق، وإنما العجائب في خلقه، وما يتولد منه لأنه يتولد من النخيل، من المنافع ما لا يحصى. وقال القتبي: ذاتُ الْأَكْمامِ يعني:
ذات الكوى قبل أن تتفتق، وغلاف كل شيء أكمه ذاتُ الْأَكْمامِ يعني: ذات الغلاف.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٢ الى ١٨]
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
ثم قال: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ يعني: ذو الورق وَالرَّيْحانُ يعني: ثمره. وقال مجاهد: الْعَصْفِ يعني: ورق الحنطة وَالرَّيْحانُ الرزق. وقال الضحاك: الحب، الحنطة، والشعير، الْعَصْفِ: التبن وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
الْعَصْفِ الزرع وَالرَّيْحانُ الورق بلسان حمير. ويقال: الْعَصْفِ السنبل وَالرَّيْحانُ ثمرته، وما ينتفع به. ويقال: الرَّيْحانُ يعني: الرياحين، جمع الريحان وهو نبت لا ساق له. قرأ ابن عامر: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ بنصب الباء، وإنما نصبه لأنه عطف على قوله:
الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ وَالْحَبُّ يعني: وخلق الحب ذا العصف وَالرَّيْحانُ. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ بضم النون والباء، لأنه عطف على قوله: فِيها فاكِهَةٌ وقرأ حمزة، والكسائي، هكذا إلا أنَّهما كسرا النون في قوله:
وَالرَّيْحانُ عطفاً على الْعَصْفِ على وجه المجاورة.
وقد ذكر الله تعالى من أول السورة نعماءه، ثم خاطب الإنس والجن فقال: فَبِأَيِّ آلاءِ

صفحة رقم 379

رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
وإن لم يسبق ذكرهما، لأن في الكلام دليلاً، وقد ذكرهما من بعده، وهو قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الجن والإنس تُكَذِّبانِ يعني: تتجاحدان بأنها ليست من الله تعالى. قال بعضهم: آلاء الله ونعماء الله واحد. إلا أن الآلاء أعم، والنعماء أخص. ويقال: الآلاء النعمة الظاهرة وهو التوحيد، والنعماء: النعمة الباطنة وهو المعرفة بالقلب، كقوله: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [لقمان: ٢٠] وقال بعضهم: الآلاء إيصال النعم، والنعماء رفع البلايا. مثاله أن رجلاً لو كانت له يد شلاء فله الآلاء وليست النعماء. وكذلك لسان الأخرس، ورجل مقعد، فله الآلاء، وليست له النعماء. وأكثر المفسرين لم يفصلوا بينهما، وقد ذكر في هذه السورة دفع البلية، وإيصال النعمة. فكل ذلك سماه الآلاء. وروى محمد بن المنذر، عن جابر، بن عبد الله، أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ على أصحابه سورة الرحمن، فسكت القوم، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «الجنُّ كَانُوا أَحْسَنَ رَدّاً مِنْكُمْ، مَا قَرَأْتَ عَلَيْهِمْ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلاَّ قَالُوا: ولا بواحدة منها فلك الحَمْدُ». وفي رواية أُخرى: أنه قال: «مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ إلاَّ قَالُوا وَلا بواحدة منها فلك الحمد».
ثم قال: خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني: آدم مِنْ صَلْصالٍ يعني: الطين اليابس الذي يتصلصل أي: يصوت، كما يصوت الفخار. ويقال: الصلصال الطين الجيد الذي ذهب عنه الماء، وتشقق. كَالْفَخَّارِ يعني: الطين الذي يصنع به الفخار. وقال في موضع آخر:
خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ [الحج: ٥] وقال في موضع آخر: مِنْ طِينٍ [السجدة: ٧] وقال في موضع آخر: مِنْ صَلْصالٍ فهذا كله قد كان حالاً بعد حال.
وَخَلَقَ الْجَانَّ يعني: أبا الجن. ثم قال هو إبليس: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يعني: من لهب من نار، وليس لها دخان. وقال بعضهم: خلق من نار جهنم. وقال بعضهم: من النار التي بين الكلة الرقيقة بين السماء، ومنها يكون البرق، ولا يرى السماء إلا من وراء تلك الكلة.
ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: فبأي نعمة أنتم. يعني: خلقكم أيها الإنس من نفس واحدة، وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة. فكيف تنكرون هذه النعمة أنها ليست من الله تعالى؟.
ثم قال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يعني: هو رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق الشمس، ومشرق القمر. وقيل: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يعني: مغرب الشتاء، والصيف.
ثم قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يعني: نعمة أنتم من نعمائه أيها الجن والإنس

صفحة رقم 380
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية