آيات من القرآن الكريم

مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ
ﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙ

وَالْمُرْسَلاتِ وقوله وَالنَّازِعاتِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِفْرَادٍ كَمَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالطُّورِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْأَطْوَارِ وَالْبِحَارِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا الْمُرَادُ مِنَ الطُّورِ الْجَبَلُ الْعَظِيمُ كَالطَّوْدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ [النِّسَاءِ: ١٥٤] أَيِ الْجَبَلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ؟ نَقُولُ فِي الْجُمُوعِ فِي أَكْثَرِهَا أَقْسَمَ بِالْمُتَحَرِّكَاتِ وَالرِّيحُ الْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ حَتَّى يَقَعَ الْقَسَمُ بِهَا، بَلْ هِيَ مُتَبَدِّلَةٌ بِأَفْرَادِهَا مُسْتَمِرَّةٌ بِأَنْوَاعِهَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّبَدُّلِ وَالتَّغَيُّرِ فَقَالَ: وَالذَّارِياتِ إِشَارَةً إِلَى النَّوْعِ الْمُسْتَمِرِّ إِلَى الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ الْمُسْتَقِرِّ، وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ ثَابِتٌ قَلِيلُ التَّغَيُّرِ وَالْوَاحِدُ مِنَ الْجِبَالِ دَائِمٌ زَمَانًا وَدَهْرًا، فَأَقْسَمَ فِي ذَلِكَ بالواحد وكذلك قوله وَالنَّجْمِ وَالرِّيحُ مَا عُلِمَ الْقَسَمُ بِهِ وَفِي الطُّورِ علم. ثم قال تعالى:
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨)
إِشَارَةٌ إِلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ: فِي حَرْفِ (إِنَّ) وَفِيهِ مَقَامَاتٌ الْأَوَّلُ: هِيَ تَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ وَالسَّبَبُ فِيهِ هُوَ أَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، أَمَّا اللَّفْظُ فَلِكَوْنِ الْفَتْحِ لَازِمًا فِيهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِالدُّخُولِ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْمَنْصُوبُ مِنْهَا عَلَى وَزْنِ إِنَّ أَنِينًا، وَأَمَّا الْمَعْنَى، فَنَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِثْبَاتِيَّةَ قَبْلَ الْجُمْلَةِ الِانْتِفَائِيَّةِ، وَلِهَذَا اسْتَغْنَوْا عَنْ حَرْفٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ، فَإِذَا قَالُوا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ فُهِمَ مِنْهُ إِرَادَةُ إِثْبَاتِ الِانْطِلَاقِ لِزَيْدٍ، وَالِانْتِفَائِيَّةُ لَمَّا كَانَتْ بَعْدَ الْمُثْبَتَةِ زِيدَ فِيهَا حَرْفٌ يُغَيِّرُهَا عَنِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِثْبَاتُ فَقِيلَ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، فَصَارَ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا بَعْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، ثُمَّ إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، كَأَنَّ الْوَاضِعَ لَمَّا وَضَعَ أَوَّلًا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ لِلْإِثْبَاتِ وَعِنْدَ النَّفْيِ يَحْتَاجُ إِلَى مَا يُغَيِّرُهُ أَتَى بِلَفْظٍ مُغَيِّرٍ وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّكَ قَدْ تُبْقِي مَكَانَهُ مَا النَّافِيَةَ وَلِهَذَا قِيلَ لَسْتُ وَلَيْسُوا، فَأُلْحِقَ بِهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فَعَلَ لَمَا جَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ فِي مُقَابَلَةِ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا جُمْلَةً إِثْبَاتِيَّةً فِيهَا لَفْظُ الْإِثْبَاتِ، كَمَا أَنَّ فِي النَّافِيَةِ لَفْظَ النَّفْيِ فَقَالَ إِنَّ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ إِنَّ فِعْلٌ لِأَنَّ لَيْسَ يُشَبَّهُ بِالْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ، فَإِنَّهَا غَيَّرَتِ الْجُمْلَةَ مِنْ أَصْلِهَا الَّذِي هُوَ الْإِثْبَاتُ وَأَمَّا إِنَّ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَالْجُمْلَةُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ إِثْبَاتِيَّةٌ فَصَارَتْ مُشَبَّهَةً بِالْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ لَيْسَ، وَهَذَا مَا يَقُولُهُ النَّحْوِيُّونَ فِي إِنَّ وَأَنَّ وَكَأَنَّ وَلَيْتَ وَلَعَلَّ إِنَّهَا حُرُوفٌ مُشَبَّهَةٌ بِالْأَفْعَالِ إِذَا عَلِمْتَ هَذَا، فَنَقُولُ كَمَا أَنَّ لَيْسَ لَهَا اسْمٌ كَالْفَاعِلِ وَخَبَرٌ كَالْمَفْعُولِ، تَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ لَئِيمًا بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ كَمَا تَقُولُ بَاتَ زَيْدٌ كَرِيمًا، فَكَذَلِكَ إِنَّ لَهَا اسْمٌ وَخَبَرٌ، لَكِنَّ اسْمَهَا يُخَالِفُ اسْمَ لَيْسَ وَخَبَرَهَا خَبَرَهَا فَإِنَّ اسْمَ إِنَّ مَنْصُوبٌ وَخَبَرَهَا مَرْفُوعٌ، لِأَنَّ إِنَّ لَمَّا كَانَتْ زِيَادَةً عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ إِلَّا الْإِثْبَاتَ الَّذِي كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ غَيْرِ حرف، وليس لَمَّا كَانَتْ زِيَادَةً عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا تُغَيِّرُ الأصل/ ولو لاها لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ جُعِلَ الْمَرْفُوعُ وَالْمَنْصُوبُ فِي لَيْسَ عَلَى الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ، وَفِي إِنَّ جُعِلَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَقُدِّمَ الْمُشَبَّهُ بِالْمَفْعُولِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِالْفَاعِلِ تَقْدِيمًا لَازِمًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُنْطَلِقٌ زَيْدًا وَهُوَ فِي لَيْسَ مُنْطَلِقًا زَيْدٌ جَائِزٌ كَمَا فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهَا فِعْلٌ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: هِيَ لِمَ تُكْسَرُ تَارَةً وَتُفْتَحُ أُخْرَى؟ نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا الْكَسْرَةُ وَالْعَارِضُ وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الظَّاهِرِ يُخَالِفُ قَوْلَ النُّحَاةِ لَكِنَّ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ كَذَلِكَ.

صفحة رقم 200
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية