آيات من القرآن الكريم

مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ
ﮠﮡ ﮣﮤﮥ ﮧﮨ ﮪﮫ ﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الطّور
وهي مكية بإجماع من المفسرين والرواة.
قوله تعالى:
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤)
هذه مخلوقات أقسم الله بها تنبيها منها وتشريفا، وليكون ذلك سبب النظر فيها والاعتبار بها، وذلك يؤول إلى التوحيد والمعرفة بحقوق الله.
وَالطُّورِ قال بعض أهل اللغة: كل جبل: طور، فكأنه أقسم بالجبال، إذ هو اسم جنس وقال آخرون: «الطور» كل جبل أجرد لا ينبت شجرا. وقال مجاهد في كتاب الطبري: «الطور» الجبل بالسريانية، وهذا ضعيف، لأن ما حكاه في العربية يقضي على هذا، ولا خلاف أن في الشام جبلا يسمى ب «الطور»، وهو طور سيناء. وقال نوف البكالي: إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال. إذ قد روي أن الله تعالى أوحى إلى الجبال إني مهبط على أحدكم أمري. يريد رسالة موسى عليه السلام، فتطاولت كلها إلا الطور فإنه استكان لأمر الله وقال حسبي الله، فأهبط الله الأمر عليه. ويقال إنه بمدين. وقال مقاتل بن حيان هما طوران. والكتاب المسطور: معناه بإجماع: المكتوب أسطارا.
واختلف الناس في هذا المكتوب المقسم به، فقال بعض المفسرين: هو الكتاب المنتسخ من اللوح المحفوظ للملائكة لتعرف منه ما تفعله وتصرفه في العالم.
وقال آخرون: بل أقسم الله تعالى بالقرآن، فإنه قد كان علم أنه يتخلد فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ.
وقال آخرون: أقسم بالكتب القديمة المنزلة: الإنجيل والتوراة والزبور. وقال الفراء فيما حكى الرماني: أقسم بالصحف التي تعطى وتؤخذ يوم القيامة بالأيمان والشمائل. وقال قوم: أقسم بالكتاب الذي فيه أعمال الخلق، وهو الذي لا بغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

صفحة رقم 185

وكتب بعض الناس، «مصطورا» بالصاد. والقصد بذلك تشابه النطق بالحروف، والجمهور على السين. والرق: الورق المعدة للكتب وهي مرققة فلذلك سميت رقا، وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان. والمنشور: خلاف المطوي، وقد يحتمل أن يكون نشره بمعنى بشره وترقيقه وصنعته. وقرأ أبو السمال: «في رق» بكسر الراء.
واختلف الناس في الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فقال الحسن بن أبي الحسن البصري: هي الكعبة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وعكرمة: هو بيت في السماء يقال له الضراح، وهو بحيال الكعبة، ويقال الضريح، ذكر ذلك الطبري وهو الذي ذكر في حديث الإسراء. قال جبريل عليه السلام:
هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم وبهذا عمارته. ويروى أنه في السماء السابعة. وقيل في السادسة وقيل إنه مقابل الكعبة لو خر لسقط عليها. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: في كل سماء بيت معمور، وفي كل أرض كذلك. وهي كلها على خط مع الكعبة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ: السماء وَالسَّقْفِ طول في انحناء، ومنه أسقف النصارى، ومنه السقف، لأن الجدار وسقفه فيهما طول في انحناء.
واختلف الناس في معنى: الْمَسْجُورِ فقال مجاهد وشمر بن عطية معناه: الموقد نارا. وروي أن البحر هو جهنم. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليهودي: أين جهنم؟ فقال هي البحر، فقال علي:
ما أظنه إلا صادقا، وقرأ: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، ومنه ما روي عن النبي ﷺ «أن البحر طبق جهنم». قال الثعلبي: وروي أن النبي ﷺ قال: «لا يركبن البحر إلا حاج أو معتمر أو مجاهد فإن تحت البحر نارا».
وفي حديث آخر: «فإن البحر نار في نار». وقال قتادة: الْمَسْجُورِ المملوء. وهذا معروف في اللغة. ورجحه الطبري بوجود نار البحر كذلك، وإلى هذا يعود القول الأول لأن قولهم: سجرت التنور معناه: ملأتها بما يحترق ويتقد و: الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ المملوء ماء، وهكذا هو معرض للعبرة، ومن هذا قول النمر بن تولب: [المتقارب]
إذا شاء طالع مسجورة... ترى حولها النبع والسماسما
سقتها رواعد من صي... ف وإن من خريف فلن يعدما
يصف ثورا أو عينا مملوءة ماء، وقال ابن عباس: هو الذي ذهب ماؤه ف الْمَسْجُورِ: الفارغ، ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة وقيل يوقد البحر نارا يوم القيامة فذلك هو سجره. وقال ابن عباس أيضا: الْمَسْجُورِ: المحبوس، ومنه ساجور الكلب: وهو القلادة من عود أو حديد التي تمسكه، وكذلك لولا أن البحر يمسك لفاض على الأرض. وقال علي بن أبي طالب أيضا وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: البحر المقسم به هو في السماء تحت العرش، والجمهور على أنه بحر الدنيا، ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ [التكوير: ٦].

صفحة رقم 186
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية