
سورة الطور
مكية وآياتها ٤٩ نزلت بعد السجدة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الطور) وَالطُّورِ هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل: الطور كل جبل فكأنه أقسم بجنس الجبال وَكِتابٍ مَسْطُورٍ قيل: هو اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن، وقيل: صحائف الأعمال فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ الرق في اللغة: الصحيفة، وخصصت في العرف بما كان من جلد، والمنشور خلاف المطوي وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ هو بيت في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبدا وبهذا عمرانه، وهو حيال الكعبة، وقيل: البيت المعمور: الكعبة وعمرانها بالحجاج والطائفين، والأول أظهر، وهو قول علي وابن عباس وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ يعني السماء وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ هو بحر الدنيا، وقيل: بحر في السماء تحت العرش: والأول أظهر وأشهر، ومعنى المسجور: المملوء ماء، وقيل: الفارغ من الماء، ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة، واللغة تقتضي الوجهين:
لأن اللفظ من الأضداد، وقيل: معناه الموقد نارا من قولك: سجرت التنور، واللغة أيضا تقتضي هذا، وروي أن جهنم في البحر إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ هذا جواب القسم، ويعني عذاب الآخرة يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً أي: تجيء وتذهب، وقيل: تدور، وقيل: تتشقق، والعامل في الظرف واقع ودافع أو محذوف الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ الخوض: التخبط في الأباطيل شبّه بخوض الماء يَوْمَ يُدَعُّونَ أي يدفعون بتعنيف، ويوم بدل من الظرف المتقدم.
أَفَسِحْرٌ هذا؟ توبيخ للكفار على ما كانوا يقولونه في الدنيا من أن القرآن سحر أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ توبيخ أيضا لهم، وتهكم بهم أي هل أنتم لا تبصرون هذا العذاب الذي حل بكم كما كنتم في الدنيا لا تبصرون الحقائق؟
فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا ليس المراد بذلك الأمر بالصبر ولا النهي عنه، وإنما المراد التسوية بين الصبر وعدمه في أن كل واحد من الحالين لا ينفعهم، ولا يخفف عنهم شيئا من العذاب إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هذا

تعليل لما ذكر من عذابهم، وليس تعليلا للصبر ولا لعدمه كما قال بعض الناس فاكِهِينَ يحتمل أن يكون معناه أصحاب فاكهة، فيكون نحو لابن وتامر صاحب لبن وصاحب تمر أو يكون من الفكاهة بمعنى السرور وَوَقاهُمْ معطوف على قوله: في جنات أو على آتاهم ربهم، أو تكون الواو للحال كُلُوا وَاشْرَبُوا أي يقال لهم: كلوا هَنِيئاً صفة لمصدر محذوف تقديره: كلوا أكلا هنيئا، ويحتمل أن يكون وقع موقع فعل تقديره: هنأكم الأكل والشرب بِحُورٍ عِينٍ الحور: جمع حوراء وهي الشديدة بياض بياض العين وسواد سوادها، والعين جمع عيناء وهي الكبيرة العينين مع جمالها، وإنما دخلت الباء في قوله بحور لأنه تضمن قوله: زوّجناهم معنى قرناهم، قاله الزمخشري وقال: إن الذين آمنوا معطوف على بحور عين أي قرناهم بحور للتلذذ بهن، وبالذين آمنوا للأنس معهم. والأظهر أن الكلام تمّ في قوله «بحور عين» ويكون والذين آمنوا مبتدأ خبره ألحقنا.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «١» معنى الآية ما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه» «٢» فذلك كرامة للأبناء بسبب الآباء، قيل: إن ذلك في الأولاد الذين ماتوا صغارا، وقيل: على الإطلاق في الأبناء المؤمنين، وبإيمان في موضع الحال من الذرية، والمعنى أنهم اتبعوا آباءهم في الإيمان، وقال الزمخشري: إن هذا المجرور يتعلق بألحقنا، والمعنى عنده بسبب الإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، والأول أظهر، فإن قيل: لم قال بإيمان بالتنكير؟ فالجواب: أن المعنى بشيء من الإيمان لم يكونوا به أهلا لدرجة آبائهم، ولكنهم لحقوا بهم كرامة لآباء، فالمراد تقليل إيمان الذرية ولكنه رفع درجتهم، فكيف إذا كان إيمانا عظيما وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي ما أنقصناهم من ثواب أعمالهم بل وفينا لهم أجورهم، وقيل المعنى: ألحقنا ذريتهم بهم، وما نقصناهم شيئا من ثواب أعمالهم بسبب ذلك، بل فعلنا ذلك تفضلا زيادة إلى ثواب أعمالهم، والضمير على القولين يعود على الذين آمنوا، وقيل: إنه يعود على الذرية كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ أي مرتهن، فإما أن تنجيه حسناته، وإما أن تهلكه
(٢). لم أعثر عليه ولا شك بأن معناه صحيح لورود القرآن به، وقد أورده الطبري موقوفا على ابن عباس.