آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
ﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

بسطناها ومددناها «فَنِعْمَ الْماهِدُونَ» ٤٨ نحن الإله الكبير العظيم، وهذه الآية لا تنافي كرويتها، لأن كل قسم منها بالنسبة لمن هو عليه مفروش ممهد، وفي قوله تعالى (مَدَدْناها) في الآية ١٩ من سورة الحجر المارة معجزة أخرى، إذ لا يعلم أحد في عهد نزول القرآن أنها ذات طول غير الله تعالى، راجع الآية ١٥ من سورة الحجر المذكورة «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ» صنفين اثنين ذكر وأنثى، حقيقة ومجازا مادة ومعنى «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» ٤٩ صنع الله فالسماء والأرض زوجان، وكذلك الشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر، والسهل والجبل، والحر والبرد، والصيف والشتاء، والخريف والربيع، والنور والظلمة، والحلو والحامض، والمالح والباهت، والإنس والجن، والذكر والأنثى من الحيوان والنبات، والوحش والطير، والحوت والحشرات، والإيمان والكفر، والحق والباطل، والسعادة والشقاوة وغيرها، أفلا توجب الذكرى أيها الناس فتستدلوا بها على مبدعها وتؤمنوا به وتصدقوا رسله وكتبه «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» اهربوا من عذابه طلبا لثوابه ومن معصيته إلى طاعته بالإذعان لأوامره ونواهيه والانقياد لما يرضى بكليتكم «إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ» ٥٠ لما جئتكم به من الحجج القاطعة والأدلة القوية والبراهين الساطعة والأمارات الظاهرة
«وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» تشركونه بعبادته وتسمونه إلها زورا وإفكا، لأنه لا شريك له ولا وزير، فاحذروا هذا كل الحذر «إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ» ٥١ كرر جل جلاله على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلم الشطر الأخير من هذه الآية عند النهي عن الشرك، لأن الأولى عند الأمر بالطاعة إعلاما بأن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، والغرض من ذلك زيادة الحث على التوحيد والمبالغة في الفصيحة. قال تعالى «كَذلِكَ» مثل ما كذبك قومك ووضعوك بما لا يليق، فإنه «ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا» فيه قومه مثل ما قاله قومك فيك «ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ» ٥٢ وهذا من قبيل التسلية له صلّى الله عليه وسلم من ربه عز وجل ليوطن نفسه الكريمة على تحمل الأذى والطعن فيه، أسوة بإخوانه الأنبياء، ولهذا قال تعالى مقرعا لهم وموبخا

صفحة رقم 153

صنيعهم معه بقوله عز قوله «أَتَواصَوْا بِهِ» أي هل وصى بعضهم بعضا بهذه الألفاظ الدالة على التكذيب والإهانة للرسل حتى تناقلوها جيلا بعد جيل، كلا «بَلْ هُمْ» أنفسهم «قَوْمٌ طاغُونَ» ٥٣ حملهم بغيهم على ذلك وتشابهت قلوبهم فوقرت وملئت من كراهية الحق فنطقت بتلك الألفاظ كما تكلم بها أسلافهم لا أنهم تواصوا بها، لأنه إذا توجد التواصي من القوم بعضهم لبعض كقوم نوح عليه السلام إذ طال أمده فيهم فصاروا يوصي بعضهم بعضا بعدم طاعته لأنه ساحر إلخ، فلا يوجد من الأقوام الماضية لغيرهم، إذ أن عذاب الاستئصال الذي أوقعه بهم يحول دون ذلك، لعدم بقاء من ينقل ما وقع منهم، ولهذا جاء القول علي طريق الاستفهام الإنكاري والتعجب من اتفاقهم على كلمات: ساحر كاهن مجنون مختلق شاعر متعلم وغيرها، والأشنع من هذا توغلهم كلهم بالطغيان على أنفسهم وغيرهم وخاصة الأنبياء، ومن كان كذلك لا جرم يصدر منه كل قبيح، وإذ كان قومك يا سيد الرسل من هذا القبيل «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» واتركهم ولا يهمنك شأنهم «فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» ٥٤ على عدم إيمانهم، لأنك بلغت وأنذرت وبذلت جهدك في نصحهم، فما عليك أن لا يؤمنوا، فحزن صلّى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية وظن أصحابه أن الوحي انتهى وأن العذاب قرب أو ان نزوله، فأنزل بعدها «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» ٥٥ الذين هم في علم الله تعالى أنهم يؤمنون، فيؤمنون وتزيد المؤمنين إيمانا، فسري عنه صلّى الله عليه وسلم وابتهج أصحابه، وفرحوا بذلك وقرت أعينهم وطابت نفوسهم وقوي أمله صلّى الله عليه وسلم، وصار يبالغ في إرشادهم ونصحهم وتذكيرهم. قال تعالى «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»
٥٦ ويوحدوني ويعرفوني أني ربهم وخالقهم ومحييهم ومميتهم «ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ» يرزقونه أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم أيضا، لأني أنا الكفيل بأرزاق الخلق كلهم «وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» ٥٧ أسند جل شأنه الإطعام لذاته الكريمة، والمراد عياله الفقراء، لأن من أطعمهم لأجله فكأنما أطعمه، وإلا فهو المنزه عن الطعام والشراب، وكل ما هو من صفات المخلوقين وحوائجهم.
والآية تبين أن شأنه جل شأنه مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم، لأنهم

صفحة رقم 154

يملكونهم للاستفادة منهم، والله مالكهم ليعبدوه لأنه خلقهم لعبادته فقط وليعلموا استحقاقه العبادة ويعملوا بما يوصلهم إليه، وقد صح في حديث أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت لو أنك عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن فلانا استطعمك فلم تطعمه، أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقي، قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه، أما علمت لو أنك أسقيته لوجدت ذلك عندي. أخرجه مسلم، والمعنى أن الله تعالى يقول إني خلقت العباد للعبادة ليعلموا أنهم مخلوقون لها، وأنه تعالى غير محتاج لهم ولا لعبادتهم ولا يريد الاستعانة منهم كما يستعين ملاك العبيد بعبيدهم لمصالحهم، لأن الله غني عن كل خلقه «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ» لهم جميعا وأن الترازق الذي يجري بينهم لبعضهم بتسخيره وتقديره وجعله الأسباب مرتبة على المسببات، وإلا فكل يأخذ رزقه الذي قدره له الله، «ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» ٥٨ الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله تعب ولا نصب ولا مشقة، فيوصل أرزاق عباده إليهم ولو لم يطلبوها أو يعملوا لأجلها «فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا» من كفار مكة الذين أفنوا عمرهم بغير ما خلقوا له وأشركوا به غيره في الدنيا «ذَنُوباً» حظا وافيا ونصيبا ضافيا من العذاب يوم القيامة «مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ» الكفار من الأمم الماضية الهالكة قبلهم «فَلا تَسْتَعْجِلُونِ» ٥٩ بإنزاله فليترقبوا وليتربصوا له رويدا فهو نازل بهم لا محالة إن أصروا على ظلمهم وحينئذ يطلبون تأخيره فلا يمهلون لحظة واحدة، وفي هذه الجملة تهديد عظيم لهؤلاء الكفار لو عقلوه. واعلم أن استعمال الذنوب بفتح الذال بمعنى الحظ والنصيب شائع في العربية، قال علقمة بن عبد التيميّ يمدح الحارث بن أبي شمر الغساني وكان أسر أخاه شاسا:

صفحة رقم 155
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
وفي كل حي قد ضبطت بنعمة فحق لشاس من نداك ذنوب