آيات من القرآن الكريم

كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠) ﴾

صفحة رقم 424

يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَمَا قَالَ لَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ الْمُكَذِّبُونَ الْأَوَّلُونَ لِرُسُلِهِمْ: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ !.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ أَيْ: أَوْصَى بعضُهم بَعْضًا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ؟ " ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أَيْ: لَكِنْ هُمْ قَوْمٌ طُغَاةٌ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، فَقَالَ مُتَأَخِّرُهُمْ كَمَا قَالَ مُتَقَدِّمُهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أَيْ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، ﴿فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ يَعْنِي: فَمَا نَلُومُكَ عَلَى ذَلِكَ.
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا تَنْتَفِعُ (١) بِهَا الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ أَيْ: إِنَّمَا خَلَقْتُهُمْ لِآمُرَهُمْ بِعِبَادَتِي، لَا لِاحْتِيَاجِي إِلَيْهِمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ أَيْ: إِلَّا لِيُقِرُّوا بِعِبَادَتِي طَوْعًا أَوْ كَرْهًا (٢) وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: إِلَّا لِيَعْرِفُونِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ أَيْ: إِلَّا لِلْعِبَادَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ الْعِبَادَةِ مَا يَنْفَعُ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْفَعُ، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٥] هَذَا مِنْهُمْ عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ مَعَ الشِّرْكِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ قَالَ (٣) الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ (٤)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ (٥) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (٦).
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ جَازَاهُ أَتَمَّ الْجَزَاءِ، وَمِنْ عَصَاهُ عَذَّبَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، فَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ -يَعْنِي ابْنَ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيط-عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ -هُوَ الْوَالِبِيِّ-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: "يَا ابن

(١) في م، أ: "فإنما ينتفع".
(٢) في م: "وكرها".
(٣) في م: "وقال".
(٤) في أ: "زيد".
(٥) في م: "النبي".
(٦) المسند (١/٣٩٤) وسنن أبي داود برقم (٣٩٨٩) وسنن الترمذي برقم (٢٩٤٠) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٢٧).

صفحة رقم 425

آدَمَ، تَفَرَّغ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ (١).
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَّامٍ أَبِي شُرحْبِيل، سَمِعْتُ حَبَّة وَسَوَاءً ابْنَيْ خَالِدٍ يَقُولَانِ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلًا أَوْ يَبْنِي بِنَاءً -وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: يُصْلِحُ شَيْئًا-فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا لَنَا وَقَالَ: "لَا تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزَّزَتْ رُءُوسُكُمَا، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ، ثُمَّ يُعْطِيهِ اللَّهُ وَيَرْزُقُهُ" (٢). وَ [قَدْ وَرَدَ] (٣) فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي؛ فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِنْ فُتك فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ".
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا﴾ أَيْ: نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ، ﴿مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ﴾ أَيْ: فَلَا يَسْتَعْجِلُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَاقِعٌ [بِهِمْ] (٤) لَا مَحَالَةَ.
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ

(١) المسند (٢/٣٥٨) وسنن الترمذي برقم (٢٤٦٦) وسنن ابن ماجه برقم (٤١٠٧).
(٢) المسند (٣/٤٦٩).
(٣) زيادة من م، أ.
(٤) زيادة من أ.

صفحة رقم 426
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية