آيات من القرآن الكريم

وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

وقوله تعالى يسألون أيان يوم الدين أي متى قيام الساعة ومجيئها وهم في هذا مستهزئون ساخرون وجوابهم في قوله تعالى ﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ أي يعذبون ويقال لهم ذوقوا فتنكم أي عذابكم هذا الذي كنتم به تستعجلون أي تطالبون به رسولنا بتعجيله لكم استخفافا وتكذيبا منكم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء حيث أقسم تعالى على ذلك.
٢- تقرير عقيدة القضاء والقدر في قوله يؤفك عنه من أفك.
٣- لعن الله الخراصين الذين يقولون بالخرص والكذب ويسألون استهزاء وسخرية لا طلبا للعلم والمعرفة للعمل.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
شرح الكلمات:
إن المتقين في حنات وعيون: أي إن الذين١ اتقوا ربهم في بساتين وعيون تجري خلال تلك البساتين والقصور التي فيها كقوله تجري من تحتها الأنهار.
آخذين ما آتاهم ربهم: أي آخذين ما أعطاهم ربهم من الثواب.

١ لما ذكر تعالى مآل الكافرين وهو أنهم على النار يفتنون أي: يعذبون كما قال الشاعر:
كل امرئ من عباد الله مضطهد
ببطن مكة مقهور ومفتون
ذكر مآل المؤمنين المتقين فقال: (إن المتقين) فذكر ما هم فيه من النعيم المقيم.

صفحة رقم 156

إنهم كانوا قبل ذلك محسنين: أي كانوا قبل دخولهم الجنة محسنين في الدنيا أي في عبادة ربهم وإلى عباده.
كانوا قليلا من الليل ما يهجعون: أي كانوا في الدنيا يحيون الليل ولا ينامون فيه إلا قليلا.
وبالأسحار هم يستغفرون: أي وفي وقت السحور وهو السدس الأخير من الليل يستغفرون يقولون ربنا اغفر لنا.
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم: أي للذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل لتعففه وهذا الحق أوجبوه على أنفسهم زيادة على الزكاة الواجبة.
وفي الأرض آيات للموقنين: أي من الجبال والأنهار والأشجار والبحار والإنسان والحيوان دلالات على قدرة الله مقتضية للبعث والموجبة للتوحيد للموقنين أما غير المؤمنين فلا يرون شيئا.
وفي أنفسكم أفلا تبصرون: أي آيات من الخلق والتركيب والأسماع والأبصار والتعقل والتحرك أفلا تبصرون ذلك فتستدلون به على وجود الله وعلمه وقدرته.
وفي السماء رزقكم وما توعدون: أي من الأمطار التي بها الزرع والنبات وسائر الأقوات وما توعدون من ثواب وعقاب إن كل ذلك عند الله في السماء مكتوب في اللوح المحفوظ.
فورب السماء والأرض إنه لحق: إنه لحق أي ما توعدون لحق ثابت.
مثل ما أنكم تنطقون: أي إن البعث لحق مثل نطقكم فهل يشك أحد في نطقه إذا نطق والجواب لا يشك فكذلك ما توعدون من ثواب وعقاب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي كذب بها المشركون في مكة فقال تعالى ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي إن الذين اتقوا ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه بترك الواجبات ولا بفعل المحرمات هؤلاء يوم القيامة في بساتين وعيون تجري في تلك البساتين وقوله ﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أي ما أعطاهم ربهم من ثواب هو نعيم مقيم في دار السلام. ثم ذكر تعالى مقتضيات هذا العطاء العظيم والثواب الجزيل فقال ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ﴾ دخولهم الجنة ﴿مُحْسِنِينَ﴾ في الدنيا فأحسنوا نياتهم وأعمالهم أخلصوها لله ربهم وأتوا بها وفق ما ارتضاه وشرعه لعباده بلا زيادة ولا نقصان كما أحسنوا إلى عباده ولم يسيئوا إليهم بقول ولا عمل هذا موجب وآخر أنهم {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا

صفحة رقم 157

يَهْجَعُونَ} ١ أي لا ينامون من الليل إلا قليلاً إذ أكثر الليل يقضونه في الصلاة وهو التهجد وقيام الليل وبالأسحار أي وفي السدس الأخير من الليل هم يستغفرون أي يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وثالث ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ﴾ والمحروم أي وزيادة على الزكاة المفروضة في كل مال بلغ النصاب فإنهم أوجبوا على أنفسهم في أموالهم حقا يبذلونه للسائل الذي يسأل والمحروم الذي لا يسأل لحيائه وعفته. هذه موجبات العطاء الكريم الذي أعطاهم ربهم من النعيم المقيم في جنات وعيون. وقوله تعالى ﴿وَفِي الْأَرْضِ٢ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ أي وفي ما خلق في الأرض من مخلوقات من جبال وأنهار وزروع وضروع وأنواع الثمار، وإنسان وحيوان آيات أي دلائل وعلامات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وكلها موجبة له التوحيد ومقررة لقدرته على البعث الآخر والجزاء وكون هذه الآيات للموقنين مبني على أن الموقنين ذووا بصائر وإدراك لما يشاهدون في الكون فكلما نظروا إلى آية في الكون ازداد إيمانهم وقوى فبلغوا اليقين فيه فأصبحوا أكثر من غيرهم في الاهتداء والانتفاع بكل ما يسمعون ويشاهدون. وقوله تعالى ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ أي وفي أنفسكم٣ أيها الناس من الدلائل والبراهين المتمثلة في خلق الإنسان وأطواره التي يمر بها من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى طفل إلى شاب فكهل وفي إدراكه وسمعه وبصره ونطقه إنها آيات أخرى دالة على وجود الله وتوحيده وقدرته على البعث والجزاء وقوله ﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ توبيخ لأهل الغفلة والإعراض عن التفكر والنظر إذ لو نظروا بأبصارهم متفكرين ببصائرهم لاهتدوا إلى الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء. وقوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون أي٤ يخبر تعالى عباده أن رزقهم في السماء يريد تدبير الأمر في السماء والأمطار التي هي سبب كل الثمار والحبوب وسائر الخضر والفواكه التي هي غذاء الإنسان في السماء وقوله وما توعدون من خير وشر من رحمة وعذاب الكل في السماء إذ الأمر لله وهو يحكم بالرحمة والعذاب على من يشاء وكتاب المقادير التي كتب فيه كل شيء هو في السماء. وقوله تعالى ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

١ الهجوع: النوم ليلا، والتهجاع: النومة الخفيفة قال الشاعر:
قد حصت البيضة رأسي فما
أطعم نوماً غير تهجاع
والفعل يهجع هجوعاً، و (ما) زائدة لتقوية الكلام أي: كانوا ينامون قليلا من الليل، والجملة: (وكانوا قليلا) الخ بدل من جملة: (كانوا قبل ذلك محسنين) بدل بعض من كل.
٢ هذا متصل بالقسم في قوله: {وَالذَّارِيَاتِ﴾ إنه بعد أن حقق عقيدة البعث بالاقسام عليها عطف شواهد من الأدلة على ذلك.
٣ مما هو آية في النفس أن المرء يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين ولو شرب لبناً محضاً لخرج منه الماء ومنه الغائط فتلك الآية في النفس.
٤ يروى أن الحسن رحمه الله تعالى كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم.

صفحة رقم 158

إِنَّهُ لَحَقٌّ١ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ٢} هذا قسم منه تعالى أقسم فيه بنفسه على أن البعث والجزاء يوم القيامة حق ثابت واجب الوقوع كائن لا محالة إذا كنا لا نشك في نطقنا إذا نطقنا أن ما نقوله ونسمعه لا يمكن أن يكون غير ما نطقنا به وسمعناه فكذلك البعث الآخر واقع لا محالة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان ما للمتقين من نعيم مقيم في الدار الآخرة.
٢- بيان صفات المتقين من التهجد بالليل والاستغفار في آخره والإنفاق في سبيل الله.
٣- بيان أن في الأرض كما في الأنفس آيات أي دلائل وعلامات على قدرة الله على البعث والجزاء.
٤- بيان أن في السماء رزق العباد٣ فلا يطلب إلا من الله تعالى وأن ما نوعده من خير وشر أمره في السماء ومنها ينزل بأمره تعالى فليكن طلبنا الخير من الله دائما وتعوذنا من الشر بالله وحده.
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)

(ما) في ﴿مِثْلَ مَا أَنَّتُمْ تَنْطِقُونَ﴾ مزيدة للتوكيد، والمضارع ﴿تَنْطِقُونَ﴾ جيء به بدلا عن المصدر نطقكم لإفادته التشبيه بنطقهم المتجدد المحسوس لهم وتقدير الكلام أن ما توعدونه من البعث والجزاء لحق مثل نطقكم الذي لا تنكرونه إذ لا يوجد من ينكر نطقه أبداً..
(ما) في (مثل ما أنكم تنطقون) مزيدة للتوكيد، والمضارع (تنطقون) جيء به بدلا عن المصدر نطقكم الذي لا تنكرونه إذ لا يوجد من ينكر نطقه أبداً.
٢ قيل: خص النطق من بين سائر الحواس: لأن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه، والنطق سبيم من ذلك.
٣ ذكر القرطبي عند تفسير هذه الآية قصة مأثورة عن الأصمعي خلاصتها: أن أعرابيا قال له: اقرأ علي من كلام الرحمن شيئا فقرأ عليه: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ففهمها الأعرابي علقيقتها فكسر قوسه ونحر بعيره فتصدق به وتاب إلى ربه ولقيه بعد سنة فطلب منه أن يسمعه من كلام الرحمن فقرأ عليه فورب السماء والأرض إنه لحق... ) الآية فأخذ الأعرابي رداءه وهو يقول: من يغضب الرحمن. وما زال يرددها حتى مات.

صفحة رقم 159
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية