آيات من القرآن الكريم

وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
ﮢﮣﮤﮥﮦ

أَوِ الْحَسَدُ عَلَى إِنْكَارِ حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّسُونَ مِنْهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى مَنَافِعِهِمْ. وَتَقْدِيمُ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْأَرْضِ بِاعْتِبَارِهَا آيَات كَثِيرَة.
[٢١]
[سُورَة الذاريات (٥١) : آيَة ٢١]
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١)
عَطْفٌ عَلَى فِي الْأَرْضِ [الذاريات: ٢٠]. فَالتَّقْدِيرُ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ أَفَلَا تُبْصِرُونَ.
تَفْرِيعًا عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ فَيُقَدَّرُ الْوَقْفُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَلَيْسَ الْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِ تُبْصِرُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُودَ الْفَاءِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ إِذْ يَصِيرُ الْكَلَامُ مَعْطُوفًا بِحَرْفَيْنِ.
وَالْخِطَابُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ الْإِبْصَارِ لِلْآيَاتِ.
وَالْإِبْصَارُ مُسْتَعَارٌ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، أَيْ كَيْفَ تَتْرُكُونَ النَّظَرَ فِي آيَاتٍ كَائِنَةٍ فِي أَنْفُسِكُمْ.
وَتَقْدِيمُ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالنَّظَرِ فِي خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ وَلِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
وَالْمَعْنَى: أَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُمْ: كَيْفَ أَنْشَأَكُمُ اللَّهُ مِنْ مَاءٍ وَكَيْفَ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا، أَلَيْسَ كُلُّ طَوْرٍ هُوَ إِيجَادَ خَلْقٍ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلُ. فَالْمَوْجُودُ فِي الصَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِ حِينَ كَانَ جَنِينًا. وَالْمَوْجُودُ فِي الْكَهْلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حِينَ كَانَ غُلَامًا وَمَا هِيَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ إِلَّا مَخْلُوقَاتٌ مُسْتَجَدَّةٌ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَكَذَلِكَ إِنْهَاءُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَهَذَا التَّكْوِينُ الْعَجِيبُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْإِيجَادِ بَعْدَ الْمَوْتِ يَدُلُّ عَلَى تَفَرُّدِ مُكَوِّنِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ إِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِيجَادِ مِثْلِ الْإِنْسَانِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ بَوَاطِنَ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ وَظَوَاهِرَهَا عَجَائِبُ مِنَ الِانْتِظَامِ وَالتَّنَاسُبِ وَأَعْجَبُهَا خَلْقُ الْعَقْلِ وَحَرَكَاتِهِ وَاسْتِخْرَاجُ الْمَعَانِي وَخَلْقُ النُّطْقِ وَالْإِلْهَامُ إِلَى اللُّغَةِ وَخَلْقُ الْحَوَاسِّ وَحَرَكَةُ الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ وَانْتِسَاقُ الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسَةِ وَتَفَاعُلُهَا وَتَسْوِيَةُ الْمَفَاصِلِ

صفحة رقم 353
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية