آيات من القرآن الكريم

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

- ١٥ - إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
- ١٦ - آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
- ١٧ - كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
- ١٨ - وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
- ١٩ - وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
- ٢٠ - وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ
- ٢١ - وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ
- ٢٢ - وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ
- ٢٣ - فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُتَّقِينَ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، إِنَّهُمْ يَوْمَ مَعَادِهِمْ يَكُونُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، بِخِلَافِ مَا أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءُ فِيهِ من العذاب والنكال والحريق والأغلال، وقوله تعالى: ﴿آخِذِينَ مَا
آتَاهُمْ رَّبِّهِمْ﴾
، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:

صفحة رقم 382

أَيْ عَامِلِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْفَرَائِضِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْفَرَائِضَ كَانُوا مُحْسِنِينَ فِي الأعمال أيضاً، وَالَّذِي فَسَّرَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ نَظَرٌ، لأن قوله تبارك وتعالى ﴿آخِذِينَ﴾ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ فالمتقون في حال كونهم في الجنان والعيون آخذين مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ، أَيْ مِنَ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ والغبطة. وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ أَيْ فِي الدَّارِ الدنيا، ﴿مُحْسِنِينَ﴾ كقوله تَعَالَى: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الخالية﴾، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ إِحْسَانَهُمْ فِي الْعَمَلِ فقال جلَّ وعلا: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ (مَا) نَافِيَةٌ تَقْدِيرُهُ: كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ لَا يَهْجَعُونَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ تَكُنْ تَمْضِي عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إِلَّا يَأْخُذُونَ مِنْهَا وَلَوْ شيئاً؛ وقال قتادة: قلّ ليلة تأتي عليهم إلا يُصَلُّونَ فِيهَا لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، إِمَّا مِنْ أولها أو من وسطها، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قلَّ مَا يَرْقُدُونَ لَيْلَةً حَتَّى الصباح لا يتهجدون، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ تَقْدِيرُهُ: كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ هُجُوعُهُمْ وَنَوْمُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾، كَابَدُوا قِيَامَ اللَّيْلِ فَلَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ، وَنَشِطُوا فَمَدُّوا إِلَى السَّحَرِ حَتَّى كَانَ الِاسْتِغْفَارُ بِسَحَرٍ، وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ كَانُوا لَا يَنَامُونَ إِلَّا قَلِيلًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَسْتُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِأَبِي: يَا أَبَا أُسَامَةَ صفةٌ لَا أَجِدُهَا فِينَا ذَكَرَ الله تعالى قَوْمًا فَقَالَ: ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ وَنَحْنُ وَاللَّهِ قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا نَقُومُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: «طُوبَى لِمَنْ رَقَدَ إِذَا نَعَسَ، وَاتَّقَى اللَّهَ إِذَا اسْتَيْقَظَ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وجهه ﷺ عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تدخلوا إلى الجنة بسلام». وروى
الإمام أحمد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا» فَقَالَ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قائماً والناس نيام» (أخرجه الإمام أحمد).
وَقَوْلُهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، قَالَ مجاهد: يُصَلُّونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَامُوا اللَّيْلَ وَأَخَّرُوا الِاسْتِغْفَارَ إلى الأسحار، كما قال تبارك وتعالى: ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾، وقد ثبت في الصحاح، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن الله تعالى يَنْزِلُ كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ؟ حَتَّى يطلع الفجر". وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ لَمَّا وَصَفَهُمْ بِالصَّلَاةِ، ثَنَّى بِوَصْفِهِمْ بِالزَّكَاةِ وَالْبَرِّ وَالصِّلَةِ، فَقَالَ ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ﴾ أَيْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ قَدْ أَفْرَزُوهُ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، أَمَّا السَّائِلُ فَمَعْرُوفٌ وَهُوَ الذي يبتدىء بالسؤال وله حق، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» (أخرجه أحمد وأبو داود). وَأَمَّا الْمَحْرُومُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ المحارب الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ، يَعْنِي لَا سَهْمَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا كَسْبَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ يَتَقَوَّتُ مِنْهَا، وَقَالَتْ أم المؤمنين عائشة

صفحة رقم 383

رضي الله عنها: هو المحارب الَّذِي لَا يَكَادُ يَتَيَسَّرُ لَهُ مَكْسَبُهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ إلا ذهب، قضى الله تعالى له ذلك، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء: الْمَحْرُومُ الْمَحَارِفُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لا يسأل الناس شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عليه» (هذا الحديث أسنده الشيخان مِنْ وَجْهٍ آخَرَ). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي يَجِيءُ وَقَدْ قُسِّمَ الْمَغْنَمُ فَيُرْضَخُ له، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ:
أَعْيَانِي أَنْ أَعْلَمَ مَا الْمَحْرُومُ، واختار ابن جرير أن المحروم الَّذِي لَا مَالَ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وقد ذَهَبَ مَالُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الكسب، أو قد هلك ماله بآفة أو نحوها.
وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ أَيْ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَةِ عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ، مما فِيهَا مِنْ صُنُوفِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمِهَادِ، وَالْجِبَالِ وَالْقِفَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ، وَاخْتِلَافِ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَأَلْوَانِهِمْ، وَمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْعُقُولِ وَالْفُهُومِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَمَا فِي تَرْكِيبِهِمْ مِنَ الْحِكَمِ، فِي وَضْعِ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِمْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ فِيهِ، وَلِهَذَا قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾؟ قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ تَفَكَّرَ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ عَرَفَ أَنَّهُ إِنَّمَا خلق ولينت مفاصله للعبادة، ثم قال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ يَعْنِي الْمَطَرَ ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ يَعْنِي الْجَنَّةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ واحد، وقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾، يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ، وَالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَلَا تَشُكُّوا فِيهِ كَمَا لَا تَشُكُّوا فِي نُطْقِكُمْ حِينَ تَنْطِقُونَ، وَكَانَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا حَدَّثَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ لصاحبه إن هذا لحقٌ كما أنك ههنا. وعن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ أَقْوَامًا أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ثُمَّ لَمْ يُصَدِّقُوا» (أخرجه ابن جرير عن الحسن مرسلاً).

صفحة رقم 384
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية