
يُسْراً»
٣ الفلك التي تجريها الرياح على الماء بسهولة وتؤده، كما يشعر به قوله يسرا، ويراد بها السفن ذات الشراع «فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً» ٤ الرياح التي تقسم الأمطار وتفرق السحب إلى حيث يشاء الله وبالمقدار الذي يعلمه الكائن بأمره، لا دخل ولا تأثير لها ولا لغيرها بشيء منه. هذا، وقد أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لعظم منافعها وجواب القسم قوله «إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ» حق لا خلف فيه فكل ما أخبركم به الرسول من البعث والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار صدق لا مرية فيه «وَإِنَّ الدِّينَ» الجزاء على الأعمال وغيرها حسنها وسيئها والحساب عليها «لَواقِعٌ» ٦ حتما والوعد به منجز حقا ثم أكد قسمه بقسم آخر فقال «وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ» ٧ البناء المتقن الرصين الذي لا تفاوت فيه المستوي الحسن البديع الخلق، المزيّن بالنجوم البديعة وقيل الطرق، قال زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه | ريح فريق لضاحي مائه حبك |
«الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ» غفلة وجهالة وعمى «ساهُونَ» ١١ عن التعرض لنفحات نور القرآن لاهون عن التفكر في معناه معرضون عن الإيمان به لشدة انهماكهم في زخارف الدنيا وتوغلهم في شهواتها «يَسْئَلُونَ» سؤال سخرية واستهزاء «أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ» ١٢ الذي تذكره لنا يا محمد، كأنهم أعماهم الله صفحة رقم 142

يريدون أن يريهم إياه عيانا، فقل لهم يا سيد الرسل يرون اليوم الذي يسألون عنه «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» ١٣ يحرقون فيها، يقال فتنت الشيء أحرقته وأزلت خبثه لتطهر خلاصته، وسيعرفونه حقا يوم تقول لهم خزنة جهنم «ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ» عذابكم المعد لكم الذي هو نتيجة كفركم بالرسل ومرسلهم والكتب والبعث والحساب والعقاب والجنة والنار ونمرة جحودكم بذلك التي اقتطفتموها بأيديكم الأثيمة ويقال لهم أيضا «هذَا» الإحراق والتعذيب هو «الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ» ١٤ وتسألون عنه في الدنيا «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» في ذلك اليوم «فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» ١٥ جارية بينها «آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ» من الكرامة وحسن القبول لأن الأخذ قبول عن قصد «إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ» في حالة الدنيا قبل دخولهم الجنة «مُحْسِنِينَ» ١٦ في أعمالهم ومعاملاتهم مع أنفسهم وغيرهم.
مطلب قيام الليل وتقسيم الأعمال والصدقات والتهجد وآيات الله في سمائه وأرضه:
ثم وصف معاملتهم معه جل جلاله بقوله «كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ» ١٧ لأنهم يؤثرون عبادة الله على النوم فيستغرقون أكثره بالصلاة والذكر «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» ١٨ ربهم عن تقصيرهم بالنهار أيضا لأنهم عرفوا أنهم مهما عبدوه لا يؤدون بعض شكره، على حد قول الشيخ بشير الغزي دفين حلب رحمه الله:
لو أن كل الكائنات السنه | تثني علي علاه طول الأزمنه |
لم تقدر الرحمن حق قدره | ولم تؤد موجبات شكره |

المتعفف الذي لا يسال بدليل قرنه بالسائل، ولهذا نبه الله عليه، لأن الناس غالبا لا يعطون إلا من يسأل ولا يكادون يعطون المتعفف لظنهم أنه مكتف، ولكن الله تعالى ذمّ الذين لا يعرفونهم إذ يجب على الأغنياء تفقد أمثالهم لأن التصدق عليهم أفضل منها على غيرهم، وقد جاء بالخبر: اختاروا لصدقاتكم كما تختارون لنطفكم، قال تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ... لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) الآية ٢٧١ من البقرة في ج ٣ فقد جعل جل شأنه الذين لا يتفقدون المتعففين جهلاء ليتقضوا لذلك ويرفعوا عنهم وصمة الجهل وليتعظ الذين يريدون وجه الله في صدقاتهم، وإنما خص الأسحار بالاستغفار لأنها في ثلث الليل الأخير وهو وقت مبارك فيه يطلع الله تعالى على عباده وهو وقت غفلة أكثر الناس، ولهذا فإن العارفين سارعوا إلى التهجد فيه، لأنهم يعرفون ما فيه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟. ولمسلم قال: فيقول أنا الملك أنا الملك، وذكر الحديثين، وفيه حتى يضيء الفجر، وزاد في رواية من يقرضني غير عديم ولا ظلوم؟ يريد نفسه تقدست وعلت. فمالكم أيها الناس معرضون عن التعرض لهذه النفحات القدسية والرحمات الرحمونية، فهلموا إليها اغتنموها ولا تضيعوا أوقاتكم سدى وتهملوا أنفسكم فيفوتكم هذا الخير في هذا الوقت فهو مظنة القبول، والإجابة إذا صحت النية وخلصت من الأهواء وكانت الرغبة إلى الله متوفرة، وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله
صفحة رقم 144