آيات من القرآن الكريم

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
ﮗﮘﮙﮚﮛ

الجمعة ويقال بفي، نَقُولُ: إِنَّ كُلَّ فِعْلٍ جَارٍ فِي زَمَانٍ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ، فَالْخُرُوجُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَّصِلٌ مُقْتَرِنٌ بِذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ خَرَجْتُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، نَقُولُ الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ، بِدَلِيلِ أَنَّكَ إِنْ قُلْتَ: خَرَجْتُ بِنَهَارِنَا وَبِلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْسُنْ، وَلَوْ قُلْتَ: خَرَجْتُ بِيَوْمِ سَعْدٍ، وَخَرَجَ هُوَ بِيَوْمِ نَحْسٍ حَسُنَ، فَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا خُصُوصٌ وَتَقْيِيدٌ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْبَاءِ فِيهِمَا، فَإِذَا قَيَّدْتَهُمَا وَخَصَّصْتَهُمَا زَالَ ذَلِكَ الْجَوَازُ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةَ لَمَّا كَانَ فِيهِ خُصُوصٌ لَمْ يَجُزِ اسْتِعْمَالُ الْبَاءِ، وَحَيْثُ زَالَ الخصوص بالتنكير، وقلت خرت بِيَوْمِ كَذَا عَادَ الْجَوَازُ، وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ مِثْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهَذِهِ السَّاعَةِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ وُجِدَ فِيهَا أَمْرٌ غَيْرُ الزَّمَانِ وَهُوَ خُصُوصِيَّاتٌ، وَخُصُوصِيَّةُ الشَّيْءِ فِي الْحَقِيقَةِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ عِنْدَ الْعَاقِلِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ لَكِنَّهَا مَحْصُورَةٌ عَلَى الْإِجْمَالِ، مِثَالُهُ إِذَا قُلْتَ هَذَا الرَّجُلَ فَالْعَامُّ فِيهِ هُوَ الرَّجُلُ، ثُمَّ إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ الرَّجُلُ الطَّوِيلُ، مَا كَانَ يَصِيرُ مُخَصَّصًا، لَكِنَّهُ يَقْرُبُ مِنَ الْخُصُوصِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْقِصَارِ، فَإِنْ قُلْتَ الْعَالِمُ لَمْ يَصِرْ مُخَصَّصًا لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنِ الْجُهَّالِ، فَإِذَا قُلْتَ الزَّاهِدُ فَكَذَلِكَ، فَإِذَا قُلْتَ ابْنُ عَمْرٍو خَرَجَ عَنْ أَبْنَاءِ زَيْدٍ وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ، فَإِذَا قُلْتَ هَذَا يَتَنَاوَلُ تِلْكَ الْمُخَصَّصَاتِ الَّتِي بِأَجْمَعِهَا لَا تَجْتَمِعُ إِلَّا فِي ذَلِكَ، فَإِذَنِ الزَّمَانُ الْمُتَعَيِّنُ فِيهِ أُمُورٌ غَيْرُ الزَّمَانِ، وَالْفِعْلُ حَدَثٌ مُقْتَرِنٌ بِزَمَانٍ لَا نَاشِئٌ عَنِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا فِي فَصَحِيحٌ، لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي الْعَامِّ فَهُوَ فِي الْخَاصِّ، لِأَنَّ الْعَامَّ أَمْرٌ دَاخِلٌ فِي الْخَاصِّ، وَأَمَّا فِي فَيَدْخُلُ فِي الَّذِي فِيهِ الشَّيْءُ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِي/ هَذِهِ السَّاعَةِ، وَأَمَّا بَحْثُ اللَّامِ فَنُؤَخِّرُهُ إِلَى مَوْضِعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس: ٣٨] وَقَوْلُهُ هُمْ غَيْرُ خَالٍ عَنْ فَائِدَةٍ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَائِدَتُهُ انْحِصَارُ الْمُسْتَغْفِرِينَ، أَيْ لِكَمَالِهِمْ فِي الِاسْتِغْفَارِ، كَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسَ بِمُسْتَغْفِرٍ، فَهُمُ الْمُسْتَغْفِرُونَ لَا غَيْرُ، يُقَالُ فُلَانٌ هُوَ الْعَالِمُ لِكَمَالِهِ في العلم كَأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ جَيِّدٌ، وَلَكِنَّ فِيهِ فَائِدَةً أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا عَطَفَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ عَلَى قَوْلِهِ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ [الذاريات: ١٧] فَلَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ بِكَلِمَةِ هُمْ لَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَبِالْأَسْحَارِ قَلِيلًا مَا يَسْتَغْفِرُونَ، تَقُولُ فُلَانٌ قَلِيلًا مَا يُؤْذِي وَإِلَى النَّاسِ يُحْسِنُ
قَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ قَلِيلُ الْإِيذَاءِ قَلِيلُ الْإِحْسَانِ، فَإِذَا قُلْتَ قَلِيلًا مَا يُؤْذِي وَهُوَ يُحْسِنُ زَالَ ذَلِكَ الْفَهْمُ وَظَهَرَ فِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ: قَلِيلُ الْإِيذَاءِ كَثِيرُ الْإِحْسَانِ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا: طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِمْ ربنا اغفر لنا الثَّانِي: طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالْفِعْلِ، أَيْ بِالْأَسْحَارِ يَأْتُونَ بِفِعْلٍ آخَرَ طَلَبًا لِلْغُفْرَانِ، وَهُوَ الصَّلَاةُ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَغْرَبُهَا الِاسْتِغْفَارُ مِنْ بَابِ اسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ إِذَا جَاءَ أَوَانُ حَصَادِهِ، فَكَأَنَّهُمْ بِالْأَسْحَارِ يَسْتَحِقُّونَ الْمَغْفِرَةَ وَيَأْتِيهِمْ أَوَانُ الْمَغْفِرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَاللَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ مُغْفِرَتَهُمْ إِلَى السَّحَرِ؟ نَقُولُ وَقْتُ السَّحَرِ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَشْهُودُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ: إِنِّي غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَالْأَوَّلُ أظهر، والثاني عند المفسرين أشهر. ثم قال تعالى:
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٩]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ تَعْظِيمِ نَفْسِهِ يَذْكُرُ الشَّفَقَةَ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَلِيلَ الْهُجُوعِ الْمُسْتَغْفِرَ فِي وُجُوهِ الْأَسْحَارِ وجد منه التعظيم العظيم، فأشار إلى الشفقة بِقَوْلِهِ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [يس: ٤٧] وَقَالَ:

صفحة رقم 169

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [الشورى: ٣٨] نَقُولُ سَبَبُهُ أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ كَانَ الذِّكْرُ لِلْحَثِّ، فَذَكَرَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ الْحَثَّ وَيَرْفَعُ الْمَانِعَ، فَقَالَ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ وَاللَّهُ يرزقكم فلا تخافوا الفقر وأعطوا، وأما هاهنا فَمَدَحَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَى الْحِرْصِ حَاجَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَشْهُورُ فِي الْحَقِّ أَنَّهُ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي عُلِمَ شَرْعًا وَهُوَ الزَّكَاةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى هَذَا صِفَةُ مَدْحٍ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ حَقٌّ وَهُوَ الزَّكَاةُ لَيْسَ صِفَةَ مَدْحٍ لِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ كَذَلِكَ، بَلِ الْكَافِرُ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ فِي مَالِهِ حَقٌّ مَعْلُومٌ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ مَاتَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ أَدَّى مِنْ غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَا يَقَعُ الْمَوْقِعُ، فَكَيْفَ يُفْهَمُ كَوْنُهُ مَدْحًا؟ نَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أنا نفسر بِمَنْ يَطْلُبُ شَرْعًا، وَالْمَحْرُومَ الَّذِي لَا مَكِنَةَ لَهُ/ مِنَ الطَّلَبِ وَمَنْعَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَنْعَ قَدْ يَكُونُ لِكَوْنِ الطَّالِبِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَقَدْ يَكُونُ لِكَوْنِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَا يُطَالَبُ فَقَالَ تَعَالَى فِي مَالِهِ حَقٌّ لِلطَّالِبِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَلِغَيْرِ الطَّالِبِ وَهُوَ الصَّدَقَةُ الْمُتَطَوَّعُ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَالِكَ لَا يُطَالَبُ بِهَا وَيُحْرَمُ الطَّالِبُ مِنْهُ طَلَبًا عَلَى سَبِيلِ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ، بَلْ يَسْأَلُ سُؤَالًا اخْتِيَارِيًّا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ وَصَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَالِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِفَرْضِهِ هُوَ ذَلِكَ وَتَقْدِيرِهِ وَإِفْرَازِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، الْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ. أَيْ مَالُهُمْ ظَرْفٌ لِحُقُوقِهِمْ فَإِنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ لَكِنَّ الظَّرْفَ لَا يُطْلَبُ إِلَّا لِلْمَظْرُوفِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ هُمْ لَا يَطْلُبُونَ الْمَالَ وَلَا يَجْمَعُونَهُ إِلَّا وَيَجْعَلُونَهُ ظَرْفًا لِلْحَقِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الظَّرْفِ هُوَ الْمَظْرُوفُ وَالظَّرْفُ مَالُهُمْ فَجَعَلَ مَالَهُمْ ظَرْفًا لِلْحُقُوقِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَ هَذَا مَدْحٌ فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ قِيلَ مَالُهُمْ لِلسَّائِلِ هَلْ كَانَ أَبْلَغَ؟ قُلْنَا لَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا فَتَصَدَّقَ بِهَا لَا تَكُونُ صَدَقَتُهُ دَائِمَةً لَكِنْ إِذَا اجْتَهَدَ وَاتَّجَرَ وَعَاشَ سِنِينَ وَأَدَّى الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ يَكُونُ مِقْدَارُ الْمُؤَدَّى أَكْثَرَ وَهَذَا كَمَا فِي الصلاة والصوم لو أَضْعَفَ وَاحِدٌ نَفْسَهُ بِهِمَا حَتَّى عَجَزَ عَنْهُمَا لَا يَكُونُ مِثْلَ مَنِ اقْتَصَدَ فِيهِمَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى»
وَفِي السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ السَّائِلَ هُوَ النَّاطِقُ وَهُوَ الْآدَمِيُّ وَالْمَحْرُومُ كُلُّ ذِي رُوحٍ غَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَحْرُومَةِ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِكُلِّ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ»
وَثَانِيهَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهَرُ، أَنَّ السَّائِلَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمَحْرُومَ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي يَحْسَبُهُ بَعْضُ النَّاسِ غَنِيًّا فَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا وَالْأَوَّلُ:
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ [طه: ٥٤] وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الْحَجِّ: ٣٦] فَالْقَانِعُ كَالْمَحْرُومِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ التَّرْتِيبُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّ دَفْعَ حَاجَةِ النَّاطِقِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَفْعِ حَاجَةِ الْبَهَائِمِ، فَمَا وَجْهُ التَّرْتِيبِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي؟ نَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّائِلَ انْدِفَاعُ حَاجَتِهِ قَبْلَ انْدِفَاعِ حَاجَةِ الْمَحْرُومِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ حَالُهُ بِمَقَالِهِ وَيَطْلُبُ لِقِلَّةِ مَالِهِ فَيُقَدَّمُ بِدَفْعِ حَاجَتِهِ، وَالْمَحْرُومَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا تَنْدَفِعُ حَاجَتُهُ إِلَّا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، فَكَانَ الذِّكْرُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ وَثَانِيهِمَا: هُوَ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ الْعَطَاءِ فَيَقُولُ يُعْطِي السَّائِلَ فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُمْ يسأل هو عن المحتاجين فيكون سائلا ومسئولا الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ الْمَحَاسِنَ اللَّفْظِيَّةَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ فِي الْكَلَامِ الْحِكَمِيِّ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إِنَّ رُجُوعَهُمْ إِلَيْنَا وَعَلَيْنَا حِسَابُهُمْ لَيْسَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ [الْغَاشِيَةِ: ٢٦] وَالْكَلَامُ لَهُ جِسْمٌ وَهُوَ اللَّفْظُ وَلَهُ رُوحٌ وَهُوَ الْمَعْنَى، وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي نَوَّرَ رُوحَهُ بِالْمَعْرِفَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُنَوِّرَ جِسْمَهُ الظَّاهِرَ بِالنَّظَافَةِ، كَذَلِكَ الْكَلَامُ وَرُبَّ كَلِمَةٍ حِكَمَيَّةٍ لَا تُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ لِرَكَاكَةِ لَفْظِهَا، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ

صفحة رقم 170
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية