آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

جميعهم النار التي في القربان، فمن أكلته فهو المبطل، فدخلوها فاحترق قَوْمُ تُبَّعٍ، وخرج الحبران تعرق جباههما، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر قَوْمُ تُبَّعٍ بدين الحبرين. وفي الحديث اختلاف كثير. أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام. وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال: «لا تلعنوا تبعا، فإنه كان قد أسلم» وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن تبعا كان نبيا.
وقوله تعالى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ قال سيبويه، التقدير: كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازا.
و «الوعيد» الذي حق: هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة، ففي هذا تخويف من كذب محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: أَفَعَيِينا توقيف للكفار وتوبيخ وإقامة للحجة الواضحة عليهم، وذلك أن جوابهم على هذا التوقيف هو لم يقع عي، ثم هم مع ذلك في لبس من الإعادة. وهذا تناقض، ويقال عيى يعيى إذا عجز عن الأمر ويلح به، ويدغم هذا الفعل الماضي من هذا الفعل ولا يدغم المستقبل منه فيقال عي، ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص] :
عيوا بأمرهم كما... عيت ببيضتها الحمامه
و «الخلق الأول» إنشاء الإنسان من نطفة على التدريج المعلوم، وقال الحسن: «الخلق الأول» آدم عليه السلام، حكاه الرماني، واللبس: الشك والريب واختلاط النظر. والخلق الجديد: البعث في القبور.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢١]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
هذه آيات فيها إقامة حجج على الكفار في إنكارهم البعث والجزاء. والخلق: إنشاء الشيء على ترتيب وتقدير حكمي. و: الْإِنْسانَ اسم الجنس. قال بعض المفسرين الْإِنْسانَ هنا آدم عليه السلام وتُوَسْوِسُ معناه: تتحدث في فكرتها، وسمي صوت الحلي وسواسا لخفائه، والوسوسة إنما تستعمل في غير الخير، وقوله تعالى: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ عبارة عن قدرة الله على العبد، وكون العبد في قبضة القدرة، والعلم قد أحيط به، فالقرب هو بالقدرة والسلطان، إذ لا ينحجب عن علم الله باطن ولا ظاهر، وكل قريب من الأجرام فبينه وبين قلب الإنسان حجب. و: الْوَرِيدِ عرق كبير في العنق، يقال: إنهما وريدان عن يمين وشمال. قال الفراء: هو ما بين الحلقوم والعلباوين وقال الحسن:
الْوَرِيدِ الوتين.
قال الأثرم: هو نهر الجسد هو في القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ: الأكحل والنسا وفي الخنصر: إلا سليم، «والحبل» : اسم مشترك فخصصه بالإضافة إلى الْوَرِيدِ، وليس هذا

صفحة رقم 159

بإضافة الشيء إلى نفسه بل هي كإضافة الجنس إلى نوعه كما تقول: لا يجوز حي الطير بلحمه.
وأما قوله تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ فقال المفسرون العامل في: إِذْ، أَقْرَبُ، ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره: اذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ويحسن هذا المعنى، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتبين وروده عند السامع، فمنها إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس، والْمُتَلَقِّيانِ: الملكان الموكلان بكل إنسان:
ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات. قال الحسن: الحفظة: أربعة، اثنان بالنهار واثنان باليل.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد ذلك الحديث، «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث بكامله. ويروى أن ملك اليمين أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه إبراهيم التيمي وسفيان الثوري.
وقَعِيدٌ معناه: قاعد، وقال قوم هو بمنزلة أكيل، فهو بمعنى مقاعد وقال الكوفيون: أراد قعودا فجعل الواحد موضع الجنس، والأول أصوب لأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، وقال مجاهد:
قَعِيدٌ: رصد ومذهب سيبويه أن التقدير عن اليمين قعيد، فاكتفى بذكر الآخر عن ذكر الأول ومثله عنده قول الشاعر [كثير عزة] :[الطويل] وعزة ممطول معنّى غريمها ومثله قول الفرزدق: [الكامل]

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي وكان وكنت غير غدور
وهذه الأمثلة كثيرة، ومذهب المبرد: أن التقدير عن اليمين قَعِيدٌ وعن الشمال فأخر قَعِيدٌ عن مكانه ومذهب الفراء أن لفظ قَعِيدٌ يدل على الاثنين والجمع فلا يحتاج إلى تقدير غير الظاهر وقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: يكتب الملكان الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات، والسيئات، ويمحو غير ذلك، وهذا هو ظاهر الآية، قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، وقال عكرمة: المعنى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ خير أو شر، وأما ما خرج من هذا فإنه لا يكتب والأول أصوب، وروي أن رجلا قال لجمله: حل، فقال ملك اليمين لا أكتبها، وقال ملك الشمال لا أكتبها، فأوحى الله إلى ملك الشمال أن اكتب ما ترك ملك اليمين، وروي نحوه عن هشام الحمصي وهذه اللفظة إذا اعتبرت فهي بحسب مشيه ببعيره، فإن كان في طاعة فحل حسنة، وإن كان في معصية فهي سيئة والمتوسط بين هذين عسير الوجود ولا بد أن يقترن بكل أحوال المرء قرائن تخلصها للخير أو لخلافه. وحكى الثعلبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مقعد الملكين على الثنيتين، قلمهما اللسان، ومدادهما الريق» وقال الضحاك والحسن: مقعدهما تحت الشعر، وكان الحسن يحب أن ينظف غفقته لذلك قال الحسن: حتى إذا مات طويت صحيفته وقيل له يوم

صفحة رقم 160

القيامة: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٤] عدل والله عليه من جعله حسيب نفسه. والرقيب: المراقب. والعتيد: الحاضر وقوله: وَجاءَتْ عطف عندي على قوله: إِذْ يَتَلَقَّى فالتقدير: وإذ تجيء سكرة الموت، وجعل الماضي في موضع المستقبل تحقيقا وتثبيتا للأمر، وهذا أحث على الاستعداد واستشعار القرب، وهذه طريقة العرب في ذلك، ويبين هذا في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ فإنها ضرورة بمعنى الاستقبال. وقرأ أبو عمرو: وَجاءَتْ سَكْرَةُ بإدغام التاء في السين. وسَكْرَةُ الْمَوْتِ: ما يعتري الإنسان عند نزاعه والناس فيها مختلفة أحوالهم، لكن لكل واحد سكرة، وكان رسول الله ﷺ في نزاعه يقول: «إن للموت لسكرات».
وقوله: بِالْحَقِّ معناه: بلقاء الله وفقد الحياة الدنيا. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «وجاءت سكرة الحق بالموت». وقرأها ابن جبير وطلحة، ويروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قالها كذلك لابنته عائشة وذلك أنها قعدت عند رأسه وهو ينازع فقالت: [الطويل]

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
ففتح أبو بكر رضي الله عنه عينه فقال: لا تقولي هكذا، وقولي: «وجاءت سكرة الحق بالموت» ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وقد روي هذا الحديث على مشهور القراءة وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ فقال أبو الفتح: إن شئت علقت الباء ب جاءَتْ، كما تقول: جئت بزيد، وإن شئت كانت بتقدير: ومعها الموت.
واختلف المتأولون في معنى: «وجاءت سكرة الحق بالموت» فقال الطبري وحكاه الثعلبي: «الحق» الله تعالى، وفي إضافة السكرة إلى اسم الله تعالى بعد وإن كان ذلك سائغا من حيث هي خلق له، ولكن فصاحة القرآن ورصفه لا يأتي فيه هذا. وقال بعض المتأولين المعنى: وجاءت سكرة فراق الحياة بالموت وفراق الحياة حق يعرفه الإنسان ويحيد منه بأمله. ومعنى هذا الحيد: أنه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر في قرب الموت حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمن، وأيضا فحذر الموت وتحرزاته ونحو هذا حيد كله. وقد تقدم القول في النفخ في الصور مرارا. و: يَوْمُ الْوَعِيدِ هو يوم القيامة وأضافه إلى الوعيد تخويفا.
وقوله تعالى: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها وقرأ طلحة بن مصرف: «محّها» بالحاء المثقلة. والسائق:
الحاث على السير.
واختلف الناس في السائق والشهيد، فقال عثمان بن عفان ومجاهد وغيره: ملكان موكلان بكل إنسان أحدهما يسوقه والآخر من حفظته يشهد عليه. وقال أبو هريرة: السائق ملك، والشهيد: العمل وقال منذر بن سعيد: السائق: الملك والشهيد: النبي صلى الله عليه وسلم، قال وقيل: الشهيد: الكتاب الذي يلقاه منشورا. وقال بعض النظار: سائِقٌ، اسم جنس، وشَهِيدٌ كذلك، فالساقة للناس ملائكة يوكلون بذلك، والشهداء: الحفظة في الدنيا وكل ما يشهد.

صفحة رقم 161
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية