آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةَ وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وَهُوَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ، قَالَ قَتَادَةُ: ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمَ تُبَّعٍ وَلَمْ يَذُمَّهُ، ذَكَرْنَا قِصَّتَهُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ (١).
﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أَيْ: كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ كَذَّبَ الرُّسُلَ، ﴿فَحَقَ وَعِيدِ﴾ وَجَبَ لَهُمْ عَذَابِي. ثُمَّ أَنْزَلَ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ "ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ":
﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ يَعْنِي: أَعَجَزْنَا حِينَ خَلَقْنَاهُمْ أَوَّلًا [فَنَعْيَا] (٢) بِالْإِعَادَةِ. وَهَذَا تَقْرِيرٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمُ اعْتَرَفُوا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ: عَيِيَ بِهِ. ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ أَيْ: فِي شَكٍّ، ﴿مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وَهُوَ الْبَعْثُ.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ يُحَدِّثُ بِهِ قَلْبُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا سَرَائِرُهُ وَضَمَائِرُهُ، ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ أَعْلَمُ بِهِ، ﴿مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ لِأَنَّ أَبْعَاضَهُ وَأَجْزَاءَهُ يَحْجُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يَحْجُبُ عِلْمَ اللَّهِ شَيْءٌ، وَ"حَبْلِ الْوَرِيدِ": عِرْقُ الْعُنُقِ، وَهُوَ عِرْقٌ بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالْعِلْبَاوَيْنِ، يَتَفَرَّقُ فِي الْبَدَنِ، وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ، فَأُضِيفَ إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ.
﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ أَيْ: يَتَلَقَّى وَيَأْخُذُ الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِالْإِنْسَانِ عَمَلَهُ وَمَنْطِقَهُ يَحْفَظَانِهِ وَيَكْتُبَانِهِ، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ﴾ أَيْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَالَّذِي عَنِ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ. ﴿قَعِيدٌ﴾ أَيْ: قَاعِدٌ، وَلَمْ يَقُلْ: قَعِيدَانِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ: عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: أَرَادَ: قُعُودًا، كَالرَّسُولِ فَجُعِلَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاثْنَيْنِ: "فَقُولَا

(١) انظر فيما سبق ص ٢٣٣-٢٣٥.
(٢) في "أ" فعيينا.

صفحة رقم 358
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية