
(١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) َقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)
شرح الكلمات:
ولقد خلقنا الإنسان: أي خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة١ اقتضت خلقه فلم نخلقه عبثا.
ونعلم ما توسوس به نفسه: أي ونعلم ما تحدث به نفسه أي نعلم ما في نفسه من خواطر وإرادات.
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد: أي نحن بقدرتنا على الأخذ منه والعطاء والعلم بما يسر ويظهر أقرب إليه من حبل الوريد الذي هو في حلقه.
إذ يتلقى المتلقيان: أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عمله فيكتبانه.
عن اليمين وعن الشمال قعيد٢: أي أحدهما عن يمينه قعيد والثاني عن شماله قعيد أيضا.
ما يلفظ من قول: أي ما يقول من قول.
إلا لديه رقيب عتيد: أي إلا عنده ملك رقيب حافظ عتيد حاضر معد للكتابة.
وجاءت سكرة الموت بالحق: أي غمرة الموت وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر لها عيانا.
ذلك ما كنت منه تحيد: أي ذلك الموت الذي كنت تهرب منه وتفزع.
ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد: أي ونفخ إسرافيل في الصور الذي هو القرن ذلك يوم الوعيد للكفار بالعذاب.
معها سائق وشهيد: أي معها سائق يسوقها إلى المحشر وشهيد يشهد عليها.
٢ القعيد معنى القاعد كالجليس بمعنى الجالس.

لقد كنت في غفلة من هذا: أي من هذا العذاب النازل بك الآن.
فكشفنا عنك غطاءك: أي أزلنا عنك غفلتك بما تشاهده اليوم.
فبصرك اليوم حديد: أي حاد تدرك به ما كنت تنكره في الدنيا من البعث والجزاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ﴾ حسب سنتنا في الخلق خلقناه بقدرتنا وعلمنا لحكمة١ اقتضت خلقه منا ولم نخلقه عبثا ونحن نعلم ما توسوس به نفسه أي ما تتحدث به نفسه من إرادات أو خواطر، ونحن أي رب العزة والجلال أقرب إليه من حبل الوريد٢ فلو أردنا أن نأخذ منه أو نعطيه أو نسمع منه أو نعلم به لكنا على ذلك قادرين وقربنا في ذلك منه أقرب من حبل عنقه إلى نفسه وذلك في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان المتلقيان سائر أقواله وأعماله يثبتانها ويحفظانها وقوله عن اليمين وعن الشمال قعيد أي أحد الملكين وهو المتلقيان عن يمينه قاعد والثاني عن شماله قاعد هذا يكتب الحسنات وذاك يكتب السيئات.
ولفظ قعيد معناه قاعد كجليس بمعنى مجالس أو جالس، وقوله تعالى ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ أي ما يقول الإنسان إلا لديه رقيب عتيد أي إلا عنده ملك رقيب حافظ، وعتيد حاضر لا يفارقانه مدى الحياة إلا أنهما يتناوبان ملكان بالنهار وملكان بالليل ويجتمعون في صلاتي الصبح والعصر وقوله تعالى ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ٣ بِالْحَقِّ﴾ أي وإن طال العمر فلابد من الموت وها هي ذي قد جاءت سكرة الموت أي غمرته وشدته بالحق من أمر الآخرة حتى يراه المنكر للبعث والدار الآخرة المكذب به يراه عياناً. ﴿ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ أي قال له هذا الموت الذي كنت منه تحيد أي تهرب وتفزع. قوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّور﴾ أي نفخ إسرافيل في الصور أي القرن الذي قد التقمه وجعله في فيه من يوم بعث النبي الخاتم نبي آخر الزمان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ينتظر متى يؤمر فينفخ نفخة الفناء ذلك أي يوم ينفخ في الصور هو يوم الوعيد٤ بالعذاب للكافرين، وفعلا نفخ في الصور نفخة البعث بعد نفخة الفناء ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ أي ملك يسوقها إلى
٢ الوريد: واحد الشرايين، وهو ثاني شريانين يخرجان من التجويف الأيسر من القلب وهما عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدميهما متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه، والحبل: العرق والجمع عروق ويختلف اسمه باختلاف موضعه من الجسم.
٣ السكرة: اسم لما يعتري الإنسان من ألم واختلال في المزاج يحد من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة وهو مشتق من السكر وهو الغلق لأنه يغلق العقل، ومنه جاء وصف السكران.
٤ يوم وعيد للكافرين ويم وعد صادق للمؤمنين، ولما كان السياق في دعوة الكافرين إلى الإيمان ذكر الوعيد دون الوعد.