آيات من القرآن الكريم

مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَظَمَةِ هَذَا الْبَيْتِ وَغَايَةِ شَرَفِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ فِي الْأَزَلِ أَنَّ مُقْتَضَى طِبَاعِ الْعَرَبِ الْحِرْصُ الشَّدِيدُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْغَارَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ دَامَتْ بِهِمْ هَذِهِ الْحَالَةُ لَعَجَزُوا عَنْ تَحْصِيلِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَنَافِعِ الْمَعِيشَةِ، وَلَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَنَائِهِمْ وَانْقِطَاعِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، دَبَّرَ فِي ذَلِكَ تَدْبِيرًا لَطِيفًا، وَهُوَ أَنَّهُ أَلْقَى فِي قُلُوبِهِمِ اعْتِقَادًا قَوِيًّا فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَتَعْظِيمِ مَنَاسِكِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَمْنِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَفِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا حَصَلَ الْأَمْنُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَفِي هَذَا الزَّمَانِ، قَدَرُوا عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَفِي هَذَا الْمَكَانِ، فَاسْتَقَامَتْ مَصَالِحُ مَعَاشِهِمْ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّدْبِيرِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا كَانَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الشَّرَّ غَالِبٌ عَلَى طِبَاعِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي بِهِمْ إِلَى الْفَنَاءِ وَانْقِطَاعِ النَّسْلِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ إِلَّا/ بِهَذَا الطَّرِيقِ اللطيف، وهو إلقاء اللَّه تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَمَانِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ، وَفِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ، فَحِينَئِذٍ تَسْتَقِيمُ مَصَالِحُ مَعَاشِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ الدَّلِيلُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ أَفْعَالَهُ مُحْكَمَةٌ مُتْقَنَةٌ مُطَابِقَةٌ لِلْمَصَالِحِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَالِمًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِلْقَاءَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فِي قُلُوبِ الْعَرَبِ لِأَجْلِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَمْنِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ، وَفِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ، لِيَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبَ اقْتِدَارِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، فِعْلٌ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا قَاهِرًا وَبُرْهَانًا بَاهِرًا، عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَلَا جَرَمَ قَالَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَيْ ذَلِكَ التَّدْبِيرُ اللَّطِيفُ لِأَجْلِ أَنْ تَتَفَكَّرُوا فِيهِ، فَتَعْلَمُوا أَنَّهُ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ وَفِعْلٌ مُحْكَمٌ مُتْقَنٌ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ثُمَّ إِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، عَرَفْتُمْ أَنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صِفَةٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ اللَّه سُبْحَانَهُ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَمَا أَحْسَنَ هَذَا التَّرْتِيبَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ وَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا اللَّه.
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٨]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنْوَاعَ رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَرَجَاؤُهُ لَاعْتَدَلَا»
ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَانِبَ الرَّحْمَةِ أَغْلَبُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ أَنْوَاعَ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ وَصْفَيْنِ مِنْ أَوْصَافِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ غَفُورًا رَحِيمًا، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى دَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ كَانَ لِأَجْلِ الرَّحْمَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَتْمَ لَا يَكُونُ إلا على الرحمة. ثم قال تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٩]
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَدَّمَ التَّرْهِيبَ وَالتَّرْغِيبَ بِقَوْلِهِ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

صفحة رقم 441
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية