
- ٩٦ - أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
- ٩٧ - جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
- ٩٨ - اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
- ٩٩ - مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تبدون وما تكتمون
قال ابن عباس وسعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر﴾ يَعْنِي مَا يَصْطَادُ مِنْهُ طَرِيًّا ﴿وَطَعَامُهُ﴾ مَا يَتَزَوَّدُ مِنْهُ مَلِيحًا يَابِسًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ: صَيْدُهُ مَا أُخِذَ مِنْهُ حَيًّا ﴿وَطَعَامُهُ﴾ مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا (وَهَكَذَا روي عن أبي بكر وزيد بن ثابت وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة عن أبي بكر الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: ﴿طَعَامُهُ﴾ كُلُّ مَا فِيهِ. وقال ابن جرير خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فَقَالَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ﴾ وَطَعَامُهُ مَا قُذِفَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طعامه ما لفظ من ميتة. وقال ابن جرير أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ الْبَحْرَ قَدْ قَذَفَ حيتاناً كثيرة ميتة أفنأكلها كلها؟ فقال: لا تأكلوها، فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ أَخَذَ المصحف فقرأ سورة المائدة، فأتة هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ فَقَالَ: اذْهَبْ، فَقُلْ لَهُ فَلْيَأْكُلْهُ فَإِنَّهُ طَعَامُهُ، وَهَكَذَا اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِطَعَامِهِ مَا مات فيه. وَقَوْلُهُ: ﴿مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ أَيْ مَنْفَعَةً وَقُوتًا لكم أيها المخاطبون، ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ وهم جَمْعُ سَيَّارٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ: لِمَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ البحر والسفر. وَقَالَ غَيْرُهُ. الطَّرِيُّ مِنْهُ لِمَنْ يَصْطَادُهُ مِنْ حاضرة البحر، وطعامه ما مات فيه أن اصطيد منه وملح، وقد يكون زاداً للمسافرين والنائين عن البحر. وقد استدل الجمهور على حل ميتته بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَبِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَل السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجراح، وهم ثلثمائة، وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، قَالَ: فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إلاّ تمرة تَمْرَةٌ، فَقَالَ: فَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مثل الظَّرِب (الجبل الصغير) فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ، فَرُحِلَتْ وَمَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَابِرٍ.

وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ: فَإِذَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِثْلُ الكثيب الضخم، فأتينها فَإِذَا بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، قَالَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيِّتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا، نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا ونحن ثلثمائة حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عينيه بالقلال الدهن، ويقتطع منه القدر كالثور، قَالَ: وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عشر رجلاً، فأقعدهم في وقب عينيه، وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أعظم بعير معنا فمر من تحته، وتزودنا من لحمه وشائق (شرائح) فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟» قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رسول الله ﷺ منه فأكله. وقال مالك سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ توضأنا عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحل ميتته» (رواه مالك وأصحاب السنن وصححه البخاري والترمذي)
وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ تُؤْكَلُ دَوَابُّ الْبَحْرِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: طَعَامُهُ كُلُّ مَا فِيهِ، وَقَدِ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الضَّفَادِعَ وَأَبَاحَ مَا سِوَاهَا، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الضِّفْدِعِ، وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدِعِ، وَقَالَ: نَقِيقُهَا تسبح وَقَالَ آخَرُونَ: يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ السَّمَكُ، وَلَا يُؤْكَلُ الضِّفْدِعُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهُمَا فَقِيلَ: يُؤْكَلُ سَائِرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يُؤْكَلُ، وَقِيلَ: مَا أُكِلَ شَبَهَهُ مِنَ الْبَرِّ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ شَبَهُهُ لَا يُؤْكَلُ وَهَذِهِ كُلُّهَا وُجُوهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رحمة الله تعالى: وقال أبو حنيفة رحمة الله تعالى: لَا يُؤْكَلُ مَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ كَمَا لَا يُؤْكَلُ مَا مَاتَ فِي الْبَرِّ، لِعُمُومِ قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة﴾ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ مردويه عَنْ جَابِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا صِدْتُمُوهُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ فَكُلُوهُ وَمَا أَلْقَى الْبَحْرُ مَيِّتًا طَافِيًا فلا تأكلوه».
وَقَدِ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِحَدِيثِ الْعَنْبَرِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَبِحَدِيثِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»، وَقَدْ تقدم أيضاً. وروى الإمام الشافعي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا متتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» (ورواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبهيقي وله شواهد) وَقَوْلُهُ: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ أي في حلا إِحْرَامِكُمْ يَحْرُمُ عَلَيْكُمُ الِاصْطِيَادُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمٍ ذَلِكَ، فَإِذَا اصْطَادَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا أَثِمَ وَغُرِّمَ، أَوْ مُخْطِئًا غُرِّمَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْمَيْتَةِ، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ وَالْمُحِلِّينَ عِنْدَ مَالِكٍ والشافعي في أحد قوليه. فَإِنْ أَكَلَهُ أَو شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ جزاء ثان؟ فيه قولان للعلماء (أحدهما): نعم وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ (وَالثَّانِي): لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ في أكله، نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا مَذَاهِبُ فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ وَأَمَّا إِذَا صَادَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَهْدَاهُ إِلَى مُحْرِمٍ، فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى إِبَاحَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا بَيْنَ

أن يكون قد صاده من أجله أم لا، وبه قال الكوفيون، قال ابن جرير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ صَادَهُ حَلَالٌ أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْتُ لَكَ رَأْسَكَ وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ أَكْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
روي عن ابن عباس: أنه كره أكل الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَالَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ وعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ (وبهذا قال طاووس وجابر بن زيد وإليه ذهب الثوري) وقد روي أن علياً كره أكل لَحْمَ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وَالْجُمْهُورُ: إِنْ كَانَ الْحَلَالُ قَدْ قَصَدَ الْمُحْرِمَ بِذَلِكَ الصَّيْدِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ، لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحَشِيًا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاّ أنَّا حُرُم» (الحديث مروي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ) قَالُوا: فَوَجْهُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا صَادَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَرَدَّهُ لذلك، فأما إذا لم يقصده بالإصطاد، فإنه يجوز له الأكل منه، لحديث أبوي قتادة حين صاد حمار وحش وكان حلالاً لم يحرم وكان أصحابه محرمين، فتوفقوا فِي أَكْلِهِ، ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَشَارَ إِلَيْهَا أَوْ أَعَانَ فِي قَتْلِهَا»؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَكُلُوا»، وَأَكَلَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة.