آيات من القرآن الكريم

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ

منه وما يملح. وجعلوا الأنهار في مثابة البحار في هذا الأمر. وبعضهم استثنى الضفادع والسرطانات لأنها ليست حيوانات بحرية تماما.
٨- أما الحكمان ذوا العدل فلم نطلع على شيء في صددهما. والمتبادر أن الصائد هو الذي يختارهما من ذوي العدل والخبرة ليقدروا المسألة ويشيروا على الصائد برأيهم فيها. فهذه مسألة دينية وليست مسألة قضائية حقوقية بين متخاصمين حتى يصح أن يكون لولي أمر المسلمين دخل فيها. والله أعلم.
هذا، وبمناسبة ورود كلمة الكعبة لأول مرة نقول إن المفسرين قالوا إنها سميت بذلك لأنها مربعة أو مرتفعة. وإنها من كعبت المرأة إذا نتأ ثديها أو ارتفع كما قالوا إنها سميت بذلك لانفرادها عن البنيان «١». وقد ينطوي في هذا المعنى الأول بشكل ما. ولقد أشير إليها في مواضع عديدة في السور السابقة المكية والمدنية باسم البيت والبيت الحرام والبيت العتيق وهو ما كان العرب يسمونها به قبل الإسلام. وكانوا يضعون فيها وحولها أصنامهم ويطوفون بها ويقيمون صلاتهم ويقربون قرابينهم عندها. والمأثور في الروايات العربية «٢» أنها لم تكن الوحيدة في جزيرة العرب حيث كان لبعض قبائل العرب كعبات للأغراض نفسها مع اعتبارها كعبة للعرب جميعهم. وحينما فتح النبي ﷺ مكة وجد فيها وحولها ٣٦٠ صنما ووجد على جدرانها صور إبراهيم وعيسى عليهما السلام حيث قد يدل هذا على أن العرب كانوا يعتبرونها كعبة عامة مشتركة ومنهم قبائل نصرانية أرادوا أن يؤيدوا ذلك بوضع نسخ من أصنامهم ومعبوداتهم فيها وحولها. ولقد ذكرنا في مناسبات سابقة ما ورد في صدد وجودها وبنائها فلا ضرورة للإعادة.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٧ الى ١٠٠]
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠).

(١) تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير.
(٢) انظر العرب قبل الإسلام لجواد عليّ ج ٥ ص ٧٥ وما بعدها. وانظر الجزء الخامس من كتابنا تاريخ الجنس العربي ص ٦٠٢ وما بعدها.

صفحة رقم 235

(١) قياما للناس: قوام حياة الناس ومصالحهم.

تعليق على الآية جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ إلخ والآيات الثلاث التي بعدها وما ينطوي فيها من دلالات وتلقين وحكمة الإبقاء على معظم تقاليد الحج السابقة للإسلام
عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت:
(١) تنبيها إلى ما في الكعبة التي هي بيت الله الحرام والأشهر الحرم والهدي والقلائد وحرماتها وتقاليدها من أسباب قوام أمور الناس ومعايشهم ومصالحهم.
(٢) وهتافا للمؤمنين بأن عليهم أن يتأكّدوا ويعلموا أن الله العليم بكل ما في السموات والأرض عليم بمقتضيات كل شيء وبما يقوم به أمر الناس. وأنه شديد العقاب على من يتمرد على حرماته وينقضها غفور رحيم لمن حسنت نيته وراقب الله في أعماله وندم على ما فرط منه.
(٣) وتنبيها آخر إلى أنه ليس على الرسول إلّا البلاغ وأن الله مراقب المخاطبين وعليم بكل ما يبدون وما يكتمون ومحصيه عليهم.
(٤) والتفاتا في الخطاب إلى النبي ﷺ يأمر به بأن يقول للناس إنه لا يصحّ في حال أن يكون الخبيث والطيب والحلال والحرام سواء ولو كان ظاهر الخبيث أو الحرام معجبا مغريا بكثرته.
(٥) وهتافا موجها إلى أولي العقول بتقوى الله تعالى فإن فيها الفلاح والنجاح.

صفحة رقم 236

ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. والمتبادر أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة على سبيل البيان والتعليل لتقاليد الحجّ المتنوعة التي من جملتها تحريم الصيد. ومن المحتمل أن تكون نزلت معها أو عقبها مباشرة.
ولقد شرحنا في مناسبات سابقة من هذه السورة وقبلها مدى ودلالات وتقاليد الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد فلا ضرورة للإعادة أو الزيادة.
وإنما نريد أن نلفت النظر إلى ما احتوته الآيات من تعليل رائع في مداه ومفهومه وتلقينه لتقاليد الحج. فالله عزّ وجل إنما ألهم العرب هذه التقاليد أولا وأقرّها في القرآن ثانيا من أجل ما فيها من مصالح عظيمة للناس متنوعة الأشكال والصور وخاصة وعامة ودنيوية وتعبدية معا وفيه قرينة على ما كان لهذه التقاليد من أثر صالح في حياة العرب قبل الإسلام. حيث كانت وسيلة لاجتماعهم في مناسك واحدة ومكان واحد على اختلاف عقائدهم ومعبوداتهم ومنازلهم. ومظهرا من مظاهر حركة وحدوية ظهرت فيهم. وهدنة مقدسة تتوقف فيها الحروب والمنازعات ويسود فيها الأمن والطمأنينة في تلك الربوع الشاسعة الواسعة التي ليس فيها سلطات حكومية أو قضائية نافذة. وسببا لقيام أسواق يتبادلون فيها سلعهم ويقضون حاجاتهم. ويحلّون مشاكلهم. وتتوحد لغاتهم ولهجاتهم. ويتداولون مفاخرهم.
ويستمعون للمواعظ والخطب والقصائد والأخبار المتنوعة في مداها وتأثيرها مما شرحنا صوره في مناسبات سابقة وبخاصة في سياق تفسير سورتي الحج والبقرة.
وفي كل هذا مظهر حركة يقظة وجيشان نفوس وأفكار سبقت البعثة النبوية.
والآيات بهذا الاعتبار تنبه على أن التشريع الإسلامي إنما يستهدف مصالح الناس المادية والمعنوية. وتزيل وهما يمكن أن يقوم في الأذهان نحو تقاليد الحج التي أبقي أكثرها على ما كان عليه في الجاهلية بعد تجريدها مما فيها من شوائب ومعائب. كما أنها تحتوي تلقينا جليلا شاملا ومستمرا بإباحة توطيد وإيجاد وتيسير كل ما من شأنه أن يكون فيه قوام مصالح الناس ومعايشهم. ووسيلة إلى قوة المسلمين وعمران بلادهم. وارتقاء أحوالهم مع مراعاة حرمات الله تعالى والوقوف

صفحة رقم 237

عند الحدود التي رسمها للحلال والحرام والطيّب والخبيث والنافع والضار والخير والشرّ. والعدل والإحسان والبغي والطغيان.
ولقد أتمت الآية الأخيرة هذا التلقين بما نبهت عليه من عدم جواز إقبال الناس على الخبيث والحرام والضارّ والشرّ انخداعا بمظهره وزخرفه ولذاته وسهولة الحصول عليه. ومن وجوب التفريق بينه وبين الطيب والحلال والنافع والخير وعدم التسوية بين هذا وذاك. وفي المقطع الأخير من الآية معنى قوي حيث وجّه الخطاب فيه لذوي العقول المفكرة على اعتبار أنهم يستطيعون التمييز وإدراك ما في تنبيه القرآن من حكمة وحقّ وأسباب نجاح وفلاح ويستطيعون أن يبينوه للناس.
ويتقون الله ويدعون إلى تقواه.
وكل هذا متسق مع التقريرات والتلقينات القرآنية العامة على ما مرّ التنبيه إليه في مناسبات كثيرة سابقة. وكل هذا كذلك من مرشحات الشريعة الإسلامية للخلود لأنه متسق مع مصلحة الإنسانية وكرامتها وخيرها وصلاحها وطهارة روحها ولا يستطيع عاقل منصف في أي ظرف أن ينكره.
تعليق على مدى جملة ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ
ونقف عند مدى جملة ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ لنقول إنها في مقامها تعني أن الرسول لم يرسل ليسيطر على أفعال العباد وقلوبهم وإنما ليكون مبلّغا عن الله فيما شاء من رسوم وحدود. وقد تكرر هذا في مثل هذا المقام في سور مكية ومدنية عديدة.
وليس بين هذا وبين ما أخذ النبي ﷺ يباشره في العهد المدني بخاصة من سلطان زمني على المسلمين ومن يدخل في ذمتهم ومن أعمال فيها مهمة الدولة والسلطان مثل تسيير وقيادة الجيوش والحرب والصلح وجباية الزكاة وقبض الزكاة وخمس الغنائم والفيء والتصرف فيها حسب الحدود المرسومة والقضاء بين المسلمين فيما يشجر بينهم من مشاكل ومنازعات وإقامة الحدود إلخ. فكل هذا

صفحة رقم 238
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية