آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِمْ بِالْبُكَاءِ فَجُعِلَتْ أَعْيُنُهُمْ كَأَنَّهَا تَفِيضُ بِأَنْفُسِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ أَيْ مِمَّا نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ.
فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ (مِنْ) وَبَيْنَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ.
قُلْنَا: الْأُولَى: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّ فَيْضَ الدَّمْعِ إِنَّمَا ابْتُدِئَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَكَانَ مِنْ أَجْلِهِ وَبِسَبَبِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لِلتَّبْعِيضِ، يَعْنِي أَنَّهُمْ عَرَفُوا بَعْضَ الْحَقِّ وَهُوَ الْقُرْآنُ فَأَبْكَاهُمُ اللَّه، فَكَيْفَ لَوْ عَرَفُوا كُلَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا أَيْ بِمَا سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا أَنَّهُ حَقٌّ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] وَالثَّانِي: أَيْ مَعَ كُلِّ مَنْ شَهِدَ مِنْ أَنْبِيَائِكَ وَمُؤْمِنِي عِبَادِكَ بِأَنَّكَ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ. وأما قوله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٨٤]
وَما لَنا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)
فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مَحَلُّ لَا نُؤْمِنُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى غَيْرَ مُؤْمِنِينَ، كَقَوْلِكَ قَائِمًا، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَنَطْمَعُ وَاوُ الْحَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْعَامِلُ فِي الْحَالِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ.
قُلْنَا: الْعَامِلُ فِي الْأُولَى مَا فِي اللَّامِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ لَنَا حَالَ كَوْنِنَا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ، وَفِي الثَّانِي مَعْنَى هَذَا الْفِعْلِ وَلَكِنْ مُقَيَّدًا بِالْحَالِ الْأُولَى، لِأَنَّكَ لَوْ أَزَلْتَهَا وَقُلْتَ: وَمَا لَنَا وَنَطْمَعُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَنَطْمَعُ حَالًا مِنْ لَا نُؤْمِنُ عَلَى أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُوَحِّدُونَ اللَّه وَيَطْمَعُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَصْحَبُوا الصَّالِحِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى/ قَوْلِهِ لَا نُؤْمِنُ عَلَى مَعْنَى: وَمَا لَنَا نَجْمَعُ بَيْنَ التَّثْلِيثِ وَبَيْنَ الطَّمَعِ فِي صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَيُدْخِلُنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ جَنَّتَهُ وَدَارَ رِضْوَانِهِ، قَالَ تَعَالَى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ [الْحَجِّ: ٥٩] إِلَّا أَنَّهُ حَسُنَ الْحَذْفُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا. ثُمَّ قَالَ تعالى:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ الثَّوَابَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ لا يفيد الثواب.
وأجابوا عنه من وجهين: الأول: أنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا، وهو المعرفة، وذلك هو قوله مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [المائدة: ٨٣] فلما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد ثم

صفحة رقم 415
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية