آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

الوضوح، ثم هم بعد ذلك يصرفون عن الحق، أي تصرفهم دواعيهم وأهواؤهم وحرصهم على تكسّبهم عن الحق الأبلج والطريق الإيماني الأقوم والأسلم.
أسباب الفساد والانحراف في غير المؤمنين
كان من رحمة الله بعباده وفضله عليهم أن حذّرهم وأنذرهم وأبان أسباب انحرافهم وضلالهم، قبل أن يفاجئهم بالحساب العسير والعقاب الأليم على زيغهم، وكان هذا التحذير والإنذار شاملا جميع غير المؤمنين إيمانا صحيحا، وهم كل من عبد غير الله من الأصنام والأوثان، وخرج عن مقتضيات أوامر الله وتعاليمه في الكتب الإلهية السابقة، ولم يلتزم بمبدإ وحدة الأديان القائمة على توحيد الله عزّ وجلّ، والاستقامة على أوامره وطاعته، والعمل على وحدة الانتماء إلى أمة التوحيد، وترك موالاة غير المؤمنين ومناصرتهم.
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في وصف أخطاء غير المؤمنين بقوله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٦ الى ٨١]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠)
وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)
«١» «٢» [المائدة: ٥/ ٧٦- ٨١].

(١) لا تتجاوزوا الحدّ ولا تفرطوا.
(٢) غضب الله عليهم بما فعلوا.

صفحة رقم 485

أوضحت هذه الآيات الكريمة أسباب انحراف غير المؤمنين عن الإيمان الحق وحصرتها في خمسة أسباب: وهي عبادة غير الله تعالى، والغلو في الدين بغير حق، وعصيان الأوامر الإلهية، والسكوت عن المنكر أو الضلال والرّضا به، وموالاة غير المؤمنين بالله ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم.
أما سبب الانحراف الأول وهو الأهم: فهو عبادة غير الله الذي لا يقدر على دفع ضرّ، ولا جلب نفع لأوليائه العابدين له، ولغير العابدين على السواء، فلم تستطع الأصنام والأوثان نفع المشركين ولا إضرارهم، ولم يستطع عيسى عليه السّلام إصابة أعدائه اليهود بضرّ، مع أنهم حاولوا قتله وصلبه، ولم يتمكّن عيسى أيضا من تقديم نفع لأتباعه وأنصاره، سواء في الدنيا أو في الآخرة، بالرغم مما تعرّضوا له من تعذيب وطرد. والله وحده هو السميع لكل صوت أو همسة، العليم بكل شيء، فهو الذي يستحق العبادة وحده دون سواه.
والسبب الثاني للانحراف والفساد هو المغالاة في الدين وتجاوز الحدود في وصف عيسى، واتّباع أهواء قوم وآرائهم الواهية من غير حجة ولا برهان، أولئك القوم المتّبعون الذين ضلّوا من قبل، وأضلّوا كثيرا من الناس، وضلّوا عن السّبيل الوسط، والرأي المعتدل.
وسبب الانحراف الثالث: هو عصيان أوامر الله واعتداؤهم على خلقه، وتماديهم في العصيان والمخالفة، فاستحقّوا اللعن، أي الطرد من رحمة الله، وما على من جاء بعدهم من الأجيال إلا الحذر من المعاصي والمنكرات، والحرص على الاستقامة على أوامر الله وترك منهياته ومخالفاته.
وسبب الانحراف الرابع: هو الرّضا بالجريمة والسكوت عن المنكر لأن الساكت راض عن الفعل، وهو شيطان أخرس، ولذا كان من أهم حصون الدين الحفاظ على

صفحة رقم 486

دائرة الحق والعدل فيه، وترك المنكر حتى لا يفشو كالنار في الهشيم أو الزرع اليابس، ومن الواجب تكتل الأفراد والجماعات والسّعي لاستئصال شأفة الفساد الديني، والخلقي والاجتماعي في مظلّة السلطة المؤمنة.
وسبب الانحراف الخامس: هو ترك موالاة ومناصرة الذين كفروا، فإن كثيرا من أهل الكتاب كانوا في صدر الإسلام يتولون مشركي مكّة، ويتآزرون معهم، ويتركون موالاة المؤمنين.
ولكنهم بهذه الموالاة لغير جند الإيمان أساؤوا لأنفسهم، وتعرّضوا لسخط الله وغضبه عليهم، وكانوا خالدين في النار وعذابها الشديد. ولو عقلوا وفكّروا جيدا، وآمنوا بالله تعالى الإله الواحد، وبالنّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم النّبيين، وآمنوا بالقرآن الكريم المنزل إليه من ربّه، ما اتّخذوا المشركين والكفّار أولياء وأنصارا، وأصدقاء وأعوانا، ولكن كثيرا منهم في الواقع فاسقون، أي خارجون عن دائرة الدين الحق، وعن طاعة الله ورسوله، وأصول دينه، لأنهم أرادوا تحقيق زعامة كاذبة، والحصول على عرض دنيوي زائل، فأضاعوا الدنيا والآخرة.
علاقة أهل الكتاب بالمؤمنين
من الطبيعي أن يلتقي أهل الأديان وأن تتّحد كلمتهم لأنهم يؤمنون إيمانا متماثلا بوجود الخالق ووحدانيته، وبوجود البعث والجنة والنار، وأن تكون أخلاقهم ومعايير سلوكهم واحدة مقتبسة من تعاليم الله وإرشاداته، وليس من المنتظر الالتقاء مع المشركين والوثنيين أو الماديين الملحدين لأن هؤلاء لا يؤمنون بالدين الإلهي، وإنما يؤمنون بمبادئ وهمية، أوجدها الزعماء والقادة، وقلّدهم الأتباع والأدنياء من غير تأمل ولا تعقل.

صفحة رقم 487
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية