آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

وَأَنْ يُحْدِثَ، وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَكَلَ أَحْدَثَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَلَا يُحْدِثُونَ. الثَّانِي: أَنَّ الْأَكْلَ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ، فَأَيُّ حَاجَةٍ بِنَا إِلَى جَعْلِهِ كِنَايَةً عَنْ شَيْءٍ آخَرَ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ، فَلَوْ كَانَ إِلَهًا لَقَدَرَ عَلَى دَفْعِ أَلَمِ الْجُوعِ عَنْ نفسه بغير الطعام والشراب، فلما لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا لِلْعَالَمِينَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَفَسَادُ قَوْلِ النَّصَارَى أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ يُقَالُ: أَفَكَهُ يَأْفِكُهُ إِفْكًا إِذَا صَرَفَهُ، وَالْإِفْكُ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ صَرْفٌ عَنِ الْحَقِّ، وَكُلُّ مَصْرُوفٍ عَنِ الشَّيْءِ مَأْفُوكٌ عَنْهُ، وَقَدْ/ أَفَكَتِ الْأَرْضُ إِذَا صُرِفَ عَنْهَا الْمَطَرُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَنَّى يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُمْ مَصْرُوفُونَ عَنْ تَأَمُّلِ الْحَقِّ، وَالْإِنْسَانُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَصْرِفَ نَفْسَهُ عَنِ الْحَقِّ وَالصِّدْقِ إِلَى الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ وَالْكَذِبِ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي صَرَفَهُمْ عن ذلك. ثم قال تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٧٦]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)
وَهَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ النَّصَارَى، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الْحُجَّةِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُعَادُونَهُ وَيَقْصِدُونَهُ بِالسُّوءِ، فَمَا قَدَرَ عَلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَكَانَ أَنْصَارُهُ وَصَحَابَتُهُ يُحِبُّونَهُ فَمَا قَدَرَ عَلَى إِيصَالِ نَفْعٍ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ، وَالْعَاجِزُ عَنِ الْإِضْرَارِ وَالنَّفْعِ كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. الثَّانِي: أَنَّ مَذْهَبَ النَّصَارَى أَنَّ الْيَهُودَ صَلَبُوهُ وَمَزَّقُوا أَضْلَاعَهُ، وَلَمَّا عَطِشَ وَطَلَبَ الْمَاءَ مِنْهُمْ صَبُّوا الْخَلَّ فِي مَنْخِرَيْهِ، وَمَنْ كَانَ فِي الضَّعْفِ هَكَذَا كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. الثَّالِثُ: أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَيَكُونُ كُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ عِيسَى كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِعِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّ الْإِلَهَ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا، إِنَّمَا الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي يَعْبُدُ الْإِلَهَ، وَلَمَّا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ كَوْنُهُ كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ عَلِمْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهَا لِكَوْنِهِ مُحْتَاجًا فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى إِيصَالِ الْمَنَافِعِ إِلَى الْعِبَادِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ عَبْدًا كَسَائِرِ الْعَبِيدِ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الدَّلِيلِ الَّذِي حَكَاهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ لِأَبِيهِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
[مَرْيَمَ: ٤٢].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّهْدِيدُ يَعْنِي سَمِيعٌ بِكُفْرِهِمْ عليم بضمائرهم.
[سورة المائدة (٥) : آية ٧٧]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ.
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا تَكَلَّمَ أَوَّلًا: عَلَى أَبَاطِيلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ ثَانِيًا: عَلَى أَبَاطِيلِ النَّصَارَى وَأَقَامَ الدَّلِيلَ الْقَاهِرَ عَلَى بُطْلَانِهَا وَفَسَادِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَاطَبَ مَجْمُوعَ الْفَرِيقَيْنِ بِهَذَا الْخِطَابِ فقال يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي

صفحة رقم 410
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية