آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

عليهما، بشر، لأن أكل الطعام يستتبعه الهضم والنفض، فاكتفى بذكر أكل الطعام عن كل هذا تهذيبا وتصوّنا، وهذا من غريب الكنايات في اللغة العربية. وقد قدمنا عن الكناية كثيرا، ولا بد هنا من لفت النظر الى أن الكناية- حيث وردت- يتعاورها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها عليهما معا، كقوله تعالى: «أو لامستم النساء» فإنه يجوز حمل الكناية على الحقيقة والمجاز، وكلّ منهما يصح به المعنى، ولا تختل العبارة، فمن حمل على الحقيقة كالشافعي اعتبر أن اللمس هو مصافحة الجسد للجسد، فأوجب الوضوء، وتلك هي الحقيقة في اللمس، ومن حمل على المجاز كأبي حنيفة اعتبر أن اللمس هو الجماع فذلك هو المجاز. وسيرد معنى المزيد من الكناية وطرائفها في هذا الكتاب.
٢- التكرير في قوله: «انظر» أولا، ثم قال: «ثم انظر» ثانيا. وفي ذلك دليل على الاهتمام بالنظر والتدبر، وإن اختلفت النظرتان، فالأولى متعلقة بكيفية إيضاح الله لخلقه الآيات، والثانية متعلقة بانصرافهم عنها، وصدوفهم عن التأمل في مراميها وأهدافها.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)

صفحة رقم 535

اللغة:
(لا تَغْلُوا) : لا تتجاوزوا الحدّ، والغلاء هو الارتفاع. قال الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته:

أو منعتم ما تسألون فمن حدّ ثتموه له علينا الغلاء
(الأهواء) : جمع هوى، وهو ما تدعو اليه شهوة النفس، قال أبو عبيدة: «لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشرّ، لأنه لا يقال:
فلان يهوى، إلا أنه يقال: يحب الخير»
. والهاء مع الواو إذا كانتا فاء للكلمة وعينا لها دلتا على معنى السقوط والانحدار الى جانب، يقال: هوى من الجبل، وهوت الدلو من البئر هويّا بفتح الهاء، وطاح في المهواة والهاوية، وهي ما بين الجبلين، وتهاووا فيها: تساقطوا، وهذه هوة عميقة، «وأمه هاوية» وجلست عنده هويا، أي: مليا، ومضى هوي من الليل، و «استهوته الشياطين». ومن المجاز قولهم للجبان: إنه الهواء، أي: خالي القلب من الجرأة، وقد تشبث شوقي بهذه الطرافة اللغوية فقال:
فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهنّ هواء
ويقال: رجل أهوج: شجاع يرمي نفسه في المهالك والمتالف، وناقة هوجاء كأن بها هوجا، لسرعتها لا تتعهد موضع المناسم من الأرض، وريح هو جاء ورياح هوج، وهاد الرجل وتهوّد وهودّ ابنه جعله يهوديا، وهوّر البناء فتهوّر أي: تهدّم، إلى آخر هذه المادة.
وهذا كله من خصائص لغتنا الشريفة.

صفحة رقم 536

الإعراب:
(قُلْ: أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) كلام مستأنف مسوق لأمر النبي ﷺ بتبكيتهم وإلزامهم بالحجة. وقل فعل أمر، والهمزة حرف استفهام توبيخي تعجبيّ، وجملة أتعبدون في محل نصب مقول القول، ومن دون الله متعلقان بمحذوف حال، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به واختار بعضهم أن تكون نكرة موصوفة، وجملة لا يملك صلة على الأول لا محل لها أو في محل نصب صفة، ولعل هذا أولى. ولكم متعلقان بيملك، وضرا مفعول به ليملك، ولا نفعا عطف على «ضرا» (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الواو حالية، والرابط بين الحال وصاحبها هو الواو، ومجيء الحال بعد هذا الكلام مناسب لمقتضى الحال، والله مبتدأ، وهو ضمير فصل لا محل له، أو ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، والسميع العليم خبران ل «الله» أو ل «هو»، وقد تقدمت نظائره (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) جملة القول استئنافية، وما بعدها في محل نصب مقول القول، ولا ناهية، وتغلوا فعل مضارع مجزوم بلا، وفي دينكم متعلقان بتغلوا، وغير الحق صفة لمفعول مطلق، أي: غلوا غير الحق، ويصح كونه حالا من ضمير الفاعل، وهو الواو، أي: مجاوزين الحق، وقيل: إن النصب على الاستثناء المتصل، وقيل: على المنقطع (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً) الواو عاطفة، ولا ناهية، تتبعوا فعل مضارع مجزوم ب «لا» وأهواء مفعول به، وقوم مضاف اليه، وجملة قد ضلوا صفة لقوم، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بضلوا، وبنيت قبل على الضم لانقطاع الظرف عن الإضافة لفظا لا معنى، وأضلوا

صفحة رقم 537
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية