آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ اى أحد ثلاثة آلهة والالهية مشتركة بينهم وهم الله وعيسى ومريم وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ اى والحال ليس فى الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث انه مبدأ جميع الموجودات الالهية موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ عن مقالتهم الاولى والثانية ولم يوحدوا لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ اى والله ليمسنهم ووضع الموصول موضع الضمير لتكرير الشهادة عليهم بالكفر فمن بيانية حال من الذين عَذابٌ أَلِيمٌ نوع شديد الألم من العذاب يخلص وجعه الى قلوبهم أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ اى أيصرون فلا يتوبون عن تلك العقائد الزائغة والأقاويل الباطلة وهمزة الاستفهام لانكار الواقع واستبعاده لا لانكار الوقوع وفيه تعجيب من إصرارهم وتحضيض على التوبة وَيَسْتَغْفِرُونَهُ بالتوحيد والتنزيه عما نسبوه اليه من الاتحاد والحلول وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ اى والحال انه تعالى مبالغ فى المغفرة يغفر لهم عند استغفارهم ويمنحهم من فضله مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ اى ما هو الا مقصور على الرسالة لا يكاد يتخطاها كالرسل الماضية من قبله خصه الله تعالى بآيات كما خصهم بها فان احيى الموتى على يده فقد احيى العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى وهو اعجب وان خلقه من غير اب فقد خلق آدم من غير اب وأم وهو اغرب منه وكل ذلك من جنابه عز وجل وانما موسى وعيسى مظاهر شؤونه وأفعاله وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ اى ما امه ايضا الا كسائر النساء اللاتي يلاز من الصدق اى صدق الأقوال فى المعاملة مع الخلق وصدق الافعال والأحوال فى المعاملة مع الخالق لا يصدر منهن ما يكذب دعوى العبودية والطاعة كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ويفتقران اليه افتقار الحيوانات فكيف يكون الها من لا يقيمه الا أكل الطعام انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ الباهرة المنادية ببطلان ما تقولوا عليهما نداء يكاد يسمعه صم الجبال ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اى كيف يصرفون عن استماعها والتأمل فيها. وثم لاظهار ما بين العجبين من التفاوت اى ان بياننا الآيات امر بديع فى بابه واعراضهم عنها مع تعاضد ما يوجب قبولها أبدع قُلْ يا محمد إلزاما لهؤلاء النصارى ومن سلك طريقتهم من اتخاذ غير الله الها أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى متجاوزين إياه ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعنى عيسى وهو وان ملك ذلك بتمليك الله إياه لكنه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر الله به من البلايا والمصائب وما ينفع به من الصحة والسعة وانما قال ما مع ان أصله ان يطلق على غير العاقل نظرا الى ما هو عليه فى ذاته فانه عليه الصلاة والسلام فى أول أحواله لا يوصف بعقل ولا بشىء من الفضائل فكيف يكون الها وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بالأقوال والعقائد فيجازى عليها ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو حال من فاعل تعبدون قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ اى غلوا باطلا فترفعوا عيسى الى ان تدعوا له الالوهية كما ادعته النصارى او تضعوه فتزعموا انه لغير رشدة كما زعمته اليهود وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ يعنى أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل مبعث محمد عليه السلام فى شريعتهم وَأَضَلُّوا كَثِيراً اى من تابعهم على بدعهم وضلالهم وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ عن قصد السبيل الذي

صفحة رقم 423

هو الإسلام بعد مبعثه لما كذبوه وبغوا عليه وحسدوه. قال الشيخ نجم الدين فى تأويلاته ان النصارى لما أرادوا ان يسلكوا طريق الحق بقدم الفعل وينظروا الى احوال الأنبياء بنظر العقل تاهوا فى اودية الشبهات وانقطعوا فى بوادي الهلكات جل جناب القدس عن ادراك عقول الانس هيهات هيهات وهذا حال من يحذو حذوهم ويقفوا اثرهم فاطرت النصارى عيسى عليه السلام إذ نظروا بالعقل فى امره فوجدوه مولودا من أم بلا اب فحكم عقلهم ان لا يكون مولود بلا اب فينبغى ان يكون هو ابن الله واستدلوا على ذلك بانه يخلق من الطين كهيئة الطير ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى ويخبر عما يأكلون فى بيوتهم وما يدخرون وهذا من صفات الله تعالى ولو لم يكن المسيح ابن الله لما امكنه هذا وانما
امكنه لان الولد سرابيه وقال بعضهم ان المسيح لما استكمل تزكية النفس عن صفات الناسوتية حل لاهوتية الحق فى مكان ناسوتيته فصار هو الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم اعلم ان امة محمد لما سلكوا طريق الحق باقدام جذبات الالوهية على وفق المتابعة الحبيبية أسقط عنهم كلفة الاستدلال ببراهين الوصول والوصال كما كان حال الشبلي حين غسل كتبه بالماء وكان يقول نعم الدليل أنتم ولكن اشتغالي بالدليل بعد الوصول الى المدلول محال: وفى المثنوى

چون شدى بر بامهاى آسمان سرد باشد جست وجوى نردبان
آينه روشن كه شد صاف وجلى جهل باشد بر نهادن صيقلى
پيش سلطان خوش نشسته در قبول جهل باشد جستن نامه ورسول
فهؤلاء القوم بعد ما وصلوا الى سرادقات حضرة الجلال شاهدوا بانوار صفات الجمال ان الإنسان هو الذي حمل امانة الحق من بين سائر المخلوقات وهى نور فيض الالوهية بواسطة الأنبياء فهم مخصوصون بأحسن التقويم فى قبول هذا الكمال فتحقق لهم ان عيسى عليه السلام صار قابلا بعد التزكية للتخلية بفيض الخالقية والمحبية كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله لا باذنه اعنى كان صورة الفعل منه ومنشأ صفة الخالقية حضرة الالوهية وهذا كما ان لكرة البلور المخروط استعدادا فى قبول فيض الشمس إذا كانت فى محاذاتها فتقبل الفيض وتحرق المحلوج المحاذي لها بذلك الفيض فمصدر الفعل المحرق من الكرة ظاهرا ومنشأ الصفة المحرقية حضرة الشمس حقيقة فصار للكرة بحسن الاستعداد قابلية لفيض الشمس وظهر منها صفات الشمس وما جلت الشمس فى كرة البلور تفهم ان شاء الله وتغتنم فكذلك حال الأنبياء فى المعجزات وكبار الأولياء فى الكرامات والفرق ان الأنبياء مستقلون بهذا المقام والأولياء متبعون. قال الامام الغزالي فى قول ابى يزيد انسلخت من نفسى كما تنسلخ الحية من جلدها فنظرت فاذا انا هو إذ من انسلخ من شهوات نفسه وهواها وهمها لا يبقى فيه متسع لغير الله ولا يكون له هم سوى الله وإذا لم يحل فى القلب الا جلال الله وجماله صار مستغرقا كأنه هو لا انه هو تحقيقا. وقوله ايضا سبحانى ما أعظم شأنى يحمل على انه قد شاهد كمال حظه من صفة القدس فقال سبحانى ورأى عظيم شأنه بالاضافة الى شأن عموم الخلق فقال ما أعظم شأنى وهو مع ذلك يعلم قدسه وعظم شأنه بالاضافة

صفحة رقم 424
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية