آيات من القرآن الكريم

وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾؛ أي ظنُّوا ألاَّ يكون عَذاباً وعقوبةً، وَقِيْلَ: ابتلاءً بسبب قتلِهم الأنبياء وتكذيبهم الرسُلَ. من قرأ (يَكُونَ) بالنصب فمعنى (أنْ يَكونَ)، ومن قرأ بالرفعِ فمعناهُ: (أنَّهُ لاَ يَكُونُ) أي فحَسِبُوا أنَّ فعلَهم غيرُ فاتنٍ لهم.
﴿ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ﴾؛ عن الحقِّ؛ أي عَمِلُوا معاملةَ الأعمى الذي لا يُبصر، والأصمَّ الذي لا يسمعُ، فصاروا كالعُمْيِ والصُّمِّ. ﴿ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾؛ أي تجاوزَ عنهم بأن أرسلَ إليهم مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم يُعلِمُهم أنه قد تابَ عليهم إن آمَنُوا وصدَّقُوا فلم يؤمِنْ أكثَرُهم، ويقال: دَانُوا بعد ذلك وتابُوا من الكفرِ فقَبلَ اللهُ توبتَهم، فلمَّا بعثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وجاءَهم ما عرَفُوا كفَرُوا بهِ، فذلك قولهُ: ﴿ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ﴾ أي عَمُوا عن الهدَى، وصَمُّوا عن الحقِّ بعد أنِ ازدادَ لهم الأمرُ وضوحاً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾؛ بدلٌ من الواوِ في قوله ﴿ عَمُوا ﴾ كأنه قالَ: عَمِيِ وصَمَّ كثيرٌ منهم، وهذا كما يقالُ: جاءَني قومُكَ أكثرُهم، وقوله: ﴿ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ يقتضي في المرة الثانيةِ أنَّهم لم يكفُروا بأكملِهم، وإنما كفَرَ أكثرُهم، كما قالَ تعالى:﴿ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ ﴾[آل عمران: ١١٣] وقال تعالى:﴿ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ﴾[المائدة: ٦٦].
ويُحكى عن بعضِ أهل اللُّغة جوابَ جمعِ الفعل متقدِّماً على الاسمِ، كما يقالُ: أكَلُونِي البراغيثُ، ويجوزُ أن يكون ﴿ كَثِيرٌ ﴾ خبرُ مبتدأ محذوفٍ؛ معناهُ: العميُ والصمُّ كثيرٌ منهم. وقوله: ﴿ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾؛ أي بما تعمَلون من التكذيب ونقضِ الميثاق وتحريف الكلام.

صفحة رقم 670
كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو بكر الحداد اليمني
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية