
﴿وَاتَّقَوْا﴾ الكفرَ ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ التي فعلوها.
﴿وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ ولجعلناهُمْ من الدَّاخلين فيها، فيه تنبيهٌ أن الإسلامَ يَجُبُّ ما قبلَه، وأن الكتابيَّ لا يدخلُ الجنةَ ما لم يُسْلِمْ.
...
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)﴾.
[٦٦] ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ عَمِلُوا بما فيهما.
﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يعني: القرآنَ وجميعَ الكتب.
﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ بقطرِ السماءِ.
﴿وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ بالنباتِ، والمرادُ: سَعَةُ الرزقِ.
﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾ عادلةٌ، كعبدِ اللهِ بنِ سلامٍ وأصحابِه.
﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ كعبُ بنُ الأشرفِ وأصحابُه.
﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ بئسَ شيئًا عملُهم.
...
﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)﴾.
[٦٧] ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي: جميعَ المنزلِ إليك.

﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ ولا تخفْ إلا اللهَ، ومن خصائصِهِ - ﷺ - وبِرِّ اللهِ تعالى به أَنَّ اللهَ تعالى خاطبَ جميعَ الأنبياءِ بأسمِائهم، فقال: (يا آدمُ) (يا نوحُ) (يا إبراهيمُ) (يا داودُ) (يا عيسى) (يا زكريا) (يا يحيى)، ولم يخاطَبْ هو إلا (يا أيُّها الرسولُ) (يا أيها النَّبيُّ) (يا أيُّها المزمِّلُ) (يا أيها المدثِّرُ).
﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ﴾ أي: إن لم تبلغْ مجموعَهُ.
﴿فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ فما أَدَّيتَ شيئًا منها؛ لأن كتمانَ بعضِها يضيِّعُ ما أُدِّي منها؛ كتركِ بعض أركانِ الصلاة. قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وابنُ عامرٍ، وأبو بكرٍ، ويعقوبُ: (رِسَالاَتِهِ) على الجمع، والباقون: على التوحيد (١)، ثم قالَ مشجِّعًا له:
﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ﴾ أي: يحفظُكَ.
﴿مِنَ النَّاسِ﴾ فلا يَصِلونَ إليك بقتلٍ ولا غيرِه، ونزلت بعدَما شُجَّ وجهُه، وكُسرت رَباعِيَتُهُ، والمرادُ بالناسِ: الكفارُ؛ لقولِه بعدُ (٢):
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
عن عائشةَ رضي الله عنها: كانَ النبيُّ - ﷺ - يُحْرَسُ حتى نزلتْ هذهِ الآيةُ، فأخرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - رأسَهُ من القُبّةِ وقالَ لهم: "يَا أَيُهَا النَّاسُ! انْصَرِفُوا؛ فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ" (٣).
(٢) في "ت": "بعده".
(٣) رواه الترمذي (٣٠٤٦)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة المائدة، وقال: =