آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا... (٥٨)
* * *
هذا تصوير لبعض مواضع استهزائهم، ولعبهم بالدين، وقد صور الله حالهم في أمر واقع، وهو عند النداء للصلاة، أي نداء المسلمين بالصلاة، وهو الأذان، وليس مجرد النداء، وكان موضع استهزائهم الصلاة، والدعوة إليها بالأذان، فالضمير في قوله تعالى: (اتَّخَذُوهَا هُزُوًا) يعود إلى الصلاة ومقدمة الصلاة وهو الدعوة إليها، وقد روي أنهم اتخذوها هزوا ولعبا، فمنهم من كان يتخذ النداء أداة استخفاف بمحاكاة صوت المؤذن، واللعب بتقليده تهكما وتعابثا، ومنهم من اتخذ شكل الصلاة الإسلامية موضع تعابث وسخرية واستهزاء.
فقد روى الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه - في مسنده أن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبي محذورة، وقد كان أبو محذورة من مؤذني رسول الله - ﷺ - وقد سأله ابن محيريز عن تأذينه لرسول الله - ﷺ - فقال: سمعنا صوت المؤذن، ونحن متنكبون، فصرخنا نحكيه، ونستهزئ به فسمع رسول الله - ﷺ - فقال: " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم كلهم إليَّ، وصدقوا، فأرسلهم، وحبسني إليه، وقال: " قم فأذِّن " ثم علَّمه الرسول عليه السلام الأذان وقال له: " بارك الله فيك، وبارك عليه " فهداه الله تعالى، وصار مؤذن رسول الله - ﷺ -، بمكة، وهكذا ابتدأ كافرا مستهزئا بالأذان ساخرا منه، وانتهى مؤمنا صادقا مؤذنا لرسول الله - ﷺ - (١).
________
(١) رواه النسائي: الأذان - كيف الأذان (٦٣٢)، وابن ماجه: الأذان والسنة فيه - الترجيع في الأذان (٧٠٨)، وأحمد: مسند المكيين - أحاديث أبي محذورة المؤذن رضي الله عنه (١٤٩٥٥).

صفحة رقم 2261

وروي أن اليهود كانوا إذا قامت الصلاة صلوا مع المسلمين استهزاء ونفاقا، ومنهم من كان يقول للرسول عندما يرى الركوع والسجود: يا محمد لقد ابتدعت شيئا لم يسمع فيما مضى، فإن كنت نبيا فلم خالفت فيما أحدثت جميع الأنبياء، وكانوا مع ذلك يتضاحكون ويتخذون من شكل الصلاة الإسلامية موضوعا لسخرياتهم وعبثهم، ولقد علل الله تعالى ذلك بقوله سبحانه:
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) الإشارة هنا إلى ما كان منهم من استهزاء وسخرية واتخاذ الأعمال الإسلامية لعبة يتلاعبون بها، والمعنى: أن هذا الذي كان منهم سببه أن أحلامهم قد سفهت، وصاروا لَا يدركون الأمور على وجهها فلا يفكرون في الأمور تفكير العقلاء الذين يتدبرون بعقولهم، وقد قام لديهم البرهان العقلي القاطع، والدليل الساطع على أن ما جاء به محمد لَا يقبل الإنكار لمن يفكر بعقله، ويتدبر في مبادئ الأمور وعواقبها.
ولماذا كان اليهود وبعض النصارى على هذه الشاكلة يتصرفون تصرف من لا عقل عنده، إذ يطمسون الحقائق، ويسخرون مما لَا سخرية فيه؟ الجواب عن ذلك أنه قد طمس على قلوبهم، والحقد قد ران على مداركهم، فأصبحوا لَا يدركون ما يوجبه العقل السليم، والفكر المستقيم، ولا شيء يذهب بلب اللبيب وإدراك العقل السليم أكثر من الحقد، ذلك بأن تمني الشر، وحسد غيره على ما في يده من نعمة، وما آتاه الله تعالى من خير يلقي حجابا على عقله فلا يدرك، وعلى قلبه فلا يؤمن ولذا قال سبحانه من بعده:
* * *

صفحة رقم 2262
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية