آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

ومعادكم، وهو مناط سعاداتكم الأبدية، وسبب قربكم من ربكم هُزُواً أي: شيئا مستخفا وَلَعِباً أي: سخرية وضحكا، مبالغة في الاستخفاف به حتى لعبوا بعقول أهله. ثم بين المستهزئين وفصّلهم بقوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ قرئ بالنصب والجرّ، يعني المشركين كما في قراءة ابن مسعود (ومن الذين أشركوا) أَوْلِياءَ في العون والنصرة. وإنما رتب النهي على وصف اتخاذهم الدين هزوا ولعبا. تنبيها على العلة، وإيذانا بأن من هذا شأنه، جدير بالبغضاء والشنآن والمنابذة. فكيف بالموالاة؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ أي: في ذلك، بترك موالاتهم، أو بترك المناهي على الإطلاق. فيدخل فيه ترك موالاتهم دخولا أوليّا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: حقا، فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة.
ثم بيّن استهزاءهم بحكم خاص من أحكام الدين، بعد استهزائهم بالدين على الإطلاق، إظهارا لكمال شقاوتهم، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٥٨]
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨)
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي: دعوتم إليها بالأذان اتَّخَذُوها أي: الصلاة أو المناداة هُزُواً وَلَعِباً بأن يستهزءوا بها ويتضاحكوا ذلِكَ أي الاتخاذ بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ أي: معاني عبادة الله، فإن السفه يؤدي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به، ولو كان لهم عقل في الجملة لما اجترءوا على تلك العظيمة. فإن الصلاة أكمل القربات، وفي النداء معان شريفة من تعظيم الله باعتبار ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. ومن ذكر توحيده باعتبار ذاته، وباعتبار عدم مغايرة أسمائه وصفاته، ومن تعظيم رسوله باعتبار قيامه بمصالح المعاش والمعاد، ومن الصلاة من حيث هي وصلة ما بين العبد وبين الله، ومن حيث إفادتها معالي الدرجات، ومن تعظيم مقصده وهو الفلاح في الظاهر والباطن، وما هو غاية مقصده من القرب من الله باعتبار عظمة ظاهره وباطنه، ومن الوصول إلى توحيده الحقيقيّ.
أفاده المهايميّ.
تنبيهات:
الأول: في آثار رويت في هذه الآية:
روى أبو الشيخ ابن حبان عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت، وسويد بن الحارث، قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجل من المسلمين يوادّهما.

صفحة رقم 177

فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا.. الآية.
وروى ابن جرير «١» وابن أبي حاتم عن السدّيّ في قوله: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً قال: كان رجل من النصارى بالمدينة، إذا سمع المنادي ينادي:
أشهد أن محمدا رسول الله. قال: حرّق الكاذب. فدخلت خادمه ليلة من الليالي بنار، وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله.
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في (السيرة) : أن رسول الله ﷺ دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن. وأبو سفيان بن حرب وعتّاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة. فقال عتاب بن أسيد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لا تبعته. فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا. لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى. فخرج عليهم النبيّ ﷺ فقال: قد علمت الذي قلتم. ثم ذكر ذلك لهم.
فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله. والله! ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول أخبرك.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عبد الله بن محيريز- وكان يتيما في حجر أبي محذورة- قال: قلت لأبي محذورة: يا عم! إني خارج إلى الشام. وأخشى أن أسأل عن تأذينك. فأخبرني أن أبا محذور قال له: نعم! خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله ﷺ من حنين فلقينا رسول الله ﷺ ببعض الطريق. فأذّن مؤذن رسول الله ﷺ بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون. فصرخنا نحكيه ونستهزئ به. فسمع رسول الله ﷺ الصوت فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟
فأشار القوم كلهم إليّ. وصدقوا. فأرسل كلّهم وحبسني فقال: قم فأذن. فقمت، ولا شيء أكره إليّ من رسول الله ﷺ ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فألقى إليّ رسول الله ﷺ التأذين هو نفسه فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال لي: ارجع فامدد من صوتك. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أنّ محمدا رسول الله، أشهد أنّ محمدا رسول

(١) الأثر رقم ١٢٢١٨ من التفسير.
(٢) أخرجه في المسند ٣/ ٤٠٩. [.....]

صفحة رقم 178
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية