آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

يقول المؤمنون: أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا... الآية.
وتحتمل الآيةُ أنْ تكون حكايةً لقولِ المؤمنين في وقْتِ قولِ الذين في قلوبهم مرضٌ:
نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ: إذ فُهِمَ منهم أنَّ تمسُّكهم باليهودِ إنما هو إرصاد لِلَّهِ ولرسولِهِ، فمَقَتَهم النبيُّ- عليه السلام- والمؤمنون، وترك لهم النبيُّ- عليه السلام- بني قَيْنُقَاعٍ رغْبةً في المصلحة والأُلْفة، وأما قراءة أَبي عَمْرٍو: «وَيَقُولَ» - بالنصب-، فلا يتجه معها أَنْ يكون قولَ المؤمنين إلاَّ عند الفَتْح، وظُهورِ ندامة المنافقينَ، وفَضيحَتِهِمْ.
وقوله تعالى: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ: نصْبُ «جَهْدَ» على المصدر المؤكِّد، والمعنى:
أهؤلاء هم المُقْسِمُون باجتهاد منهم في الأيمانِ إنهم لَمَعَكُمْ، قد ظهر الآنَ منهم مِنْ موالاة اليهودِ، وخَذْلِ الشريعةِ- ما يُكَذِّبُ أيمانهم.
وقوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ: يحتملُ أنْ يكون/ إخباراً من اللَّه سبحانه، ويحتملُ أنْ يكون مِنْ قول المؤمنين، ويحتمل أنْ يكون قوله: حَبِطَتْ دعاءً، أي: بطلت أعمالهم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٤ الى ٥٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨)
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩)
وقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ... الآية: خطابٌ للمؤمنين إلى يوم القيامة، ومعنى الآية أَنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ وعَدَ هذه الأمة أنَّ من ارتدَّ منها، فإنه يجيءُ سبحانه بقومٍ ينصُرُونَ الدِّين، ويُغْنُونَ عن المرتدِّين.
قال الفَخْر «١» : وقدَّم اللَّه تعالى محبَّته لهم على محبَّتهم له إذ لولا حُبُّه لهم، لما وفَّقهم أنْ صاروا محبِّين له. انتهى، وفي كتاب «القصد إلى اللَّه سبحانه» للمُحَاسِبِيِّ، قُلْتُ للشيخ: فَهَلْ يَلْحَقُ المحبِّينَ للَّه عزَّ وجلَّ خَوْفٌ؟ قال: نَعَمِ، الخَوْفُ لازمٌ لهم كما لزمهم الإيمَانُ لا يزولُ إلاَّ بزَوَاله، وهذا هو خَوْفُ عذابِ التَّقْصيرِ في بدايتهم حتى إذا صاروا

(١) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١٢/ ٢١).

صفحة رقم 394

إلى خَوْفِ الفَوْت، صاروا إلى الخوف الذي يكُونُ في أعلى حالٍ، فكان الخوف الأوَّلُ يطرقهم خطراتٍ، وصارِ خوْفُ الفَوْتِ وطنات، قلْتُ: فما الحالَةُ التي تَكْشِفُ عن قلوبهم شَدِيدَ الخَوْف والحُزْن؟ قال: الرجاءُ بحُسْن الظَّنِّ لمعرفتهم بسعة فَضْل اللَّه عزَّ وجلَّ، وأَمَلُهُمْ منه أنْ يظفروا بمرادهم، إذا وَرَدُوا عليه، ولولا حُسْن ظنِّهم بربِّهم، لَتَقطَّعت أنفسهم حسراتٍ، وماتوا كَمَداً، قلْتُ: أيُّ شيءٍ أكثَرُ شُغْلِهِمْ، وما الغالبُ على قلوبِهِمْ في جميعِ أحوالهم؟ قال: كثرةُ الذِّكْر لمحبوبهم على طريق الدوامِ والاستقامةِ، لا يَمَلُّونَ، ولا يَفْتُرُون، وقد أجمع الحكماءُ أنَّ من أحَبَّ شيئاً، أكْثَرَ مِنْ ذكره، ثم قال: قال ذُو النُّونِ: مَا أُولِعَ أحَدٌ بذكْرِ اللَّه إلا أفاد منْهُ حُبَّ اللَّهِ تعالَى. انتهى.
وفي الآية إنحاءٌ على المنافِقِينَ، وعلى من ارتد في مدة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال الفَخْر «١» : وهذه الآيةُ إخبارٌ بغَيْبٍ، وقد وقع الخَبَر على وَفْقِهِ فيكون معجزاً، وقد ارتدَّتِ العربُ وغيرهم أيام أبِي بَكْر، فنَصَر اللَّه الدِّين، وأتى بخَيْرٍ منهم. انتهى.
وقوله سبحانه: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، معناه: متذلِّلين مِنْ قِبَلِ أنفسهم، غَيْرَ متكبِّرين، وهذا كقوله عزَّ وجلَّ: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩] وكقوله- عليه السلام-: «المُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ»، وفي قراءة «٢» ابن مسعودٍ: «أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ غُلَظَاءَ عَلَى الكَافِرِينَ».
وقوله تعالى: وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ: إشارةٌ إلى الرَّدِّ على المنافقين في أَنَّهم يعتَذِرُونَ بممالأَة الأحْلاَفِ والمعارِفِ مِنَ الكفَّار، ويراعُونَ أمرهم، قُلْتُ: وخرَّج أبو بكرِ بْنُ الخطيبِ بسنده على أبي ذِر، قال: «أَوْصَانِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بِسَبْعٍ: أوْصَانِي أَنْ أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ دُونِي وَلاَ أَنْظُرَ إلى مَنْ هُوَ فَوْقِي- يعني: فِي شَأْنِ الدُّنْيَا-، وأوْصَانِي بِحُبِّ المَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَوْصَانِي أَنْ أَقُولَ الحَقَّ وَإنْ كَانَ مُرًّا، وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي وَإنْ أَدْبَرَتْ، وَأَوْصَانِي أَلاَّ أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَوْصَانِي ألاَّ أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأَوْصَانِي أَنْ أسْتَكْثِرَ مِنْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ» «٣». انتهى.
وقوله سبحانه: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ: الإشارةُ ب «ذلك» إلى كون القومِ يحبّون الله

(١) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١٢/ ٢٠).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٠٨)، و «البحر المحيط» (٣/ ٥٢٤)، و «الدر المصون» (٢/ ٥٤٩).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ١٧٣) وذكره الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٩٦) وقال: ورجاله ثقات إلا أن الشعبي لم أجد له سماعا من أبي ذر.

صفحة رقم 395

عزّ وجلّ ويحبّهم، وواسع: ذو سَعَةٍ فيما يملكُ ويُعْطِي وينعم به سبحانه.
وقوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... الآية: «إنما» في هذه الآية حاصرةٌ، وقرأ ابن مسعود «١» :«إنَّمَا/ مَوْلاَكُمُ اللَّهُ»، والزكاةُ هنا: لفظٌ عامٌّ للزكاةِ المفروضةِ، والتطوُّعِ بالصدَقَةِ، ولكلِّ أفعالِ البِرِّ، إذ هي مُنَمِّيَةٌ للحسنات، مطَهِّرة للمَرْءِ مِنْ دَنَسِ السيِّئات، ثم وصفهم سبحانه بتَكْثير الركُوعِ، وخُصَّ بالذكْر لكونه مِنْ أعظم أركان الصلاة، وهي هيئَةُ تواضعٍ، فعبَّر عن جميعِ الصلاَةِ كما قال سبحانه: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: ٢٦] هذا هو الصحيحُ. ، وهو تأويل الجمهورِ، ولكن اتفق مع ذلك أنَّ عليَّ بْنَ أبي طالِبٍ (رضي اللَّه عنه) أعطى خاتَمَهُ، وهو راكعٌ «٢».
قال السُّدِّيُّ: وإن اتفَقَ ذلك لعليٍّ، فالآية عامَّة في جميعِ المؤمنين «٣».
ثم أخبر تعالى: أنَّ مَنْ يتولَّى اللَّه ورسولَهُ والمؤمنين، فإنه غالبٌ كُلَّ مَنْ ناوأه، وجاءَتِ العبارةُ عامَّة في أنَّ حِزْبَ اللَّه هم الغالِبُون، ثم نهى سبحانه المؤمنينَ عنِ اتخاذ الَّذينَ اتخذوا دينَنَا هُزُواً ولعباً، وقد ثبت استهزاء الكُفَّار في قوله سبحانه: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر: ٩٥] وثبت استهزاء أهْل الكتاب في لفظ هذه الآية، وثبت استهزاءُ المُنَافِقِينَ في قولهم لشياطينهم: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: ١٤].
ثم أمر سبحانه بتَقْواه، ونبَّه النفوسَ بقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
وقوله سبحانه: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً... الآية: إنحاءٌ على اليَهُودِ، وتبيينٌ لسوء فعلهم.
وقوله: وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ: معنى المحاورةِ: هَلْ تَنْقِمُونَ منا إلا مجموعَ هذه الحالِ مِنْ أنا مؤمنون، وأنتم فاسقون كما تقول لمن تخاصمه: هل تَنْقِمُ مني إلاَّ أَنْ صَدَقْتُ أَنَا، وَكَذَبْتَ أَنْتَ، وقال بعضُ المتأوِّلين: وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ: معطوفٌ علَى ما كأَنَّه قال: إِلاَّ أَنْ آمنَّا باللَّهِ وبكُتُبِهِ، وبأنَّ أكثركم فاسقُونَ، وهذا مستقيم المعنى، وقال:

(١) ينظر: «الشواذ» ص (٣٩)، و «الكشاف» (١/ ٦٤٨)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٠٨)، و «البحر المحيط» (٣/ ٥٢٥)، و «الدر المصون» (٢/ ٥٥١).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٢٨) (١٢٢١٥)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢٠٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥٢٠)، وعزاه لابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن عساكر عن سلمة بن كهيل. [.....]
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٢٨) (١٢٢١٥)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢٠٨).

صفحة رقم 396
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية