
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه﴾ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالشَّام: " من يرتدد " وَالْمعْنَى وَاحِد ﴿فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ قَالَ عَليّ، وَالْحسن: نزل هَذَا فِي أبي بكر وَأَصْحَابه. وَكَانَ الْحسن يحلف على هَذَا، أَنه نزل فِي أبي بكر وَأَصْحَابه، وَذَلِكَ أَن النَّبِي لما خرج إِلَى رَحْمَة الله ارْتَدَّت الْعَرَب، وَلم يبْق الْإِسْلَام إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَسَاجِد: مَسْجِد مَكَّة، وَمَسْجِد الْمَدِينَة، وَمَسْجِد الْبَحْرين؛ فهم أَبُو بكر بِالْقِتَالِ، وَكره الصَّحَابَة ذَلِك، وَقَالُوا: إِن بَعضهم منع الزَّكَاة، وَلم يتْركُوا الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو بكر: وَالله (لأقاتلن من) فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، وَقيل: إِنَّه سل سَيْفه، وَخرج وَحده، وَقَالَ: أقَاتل وحدي، ثمَّ وَافقه الصَّحَابَة، قَالَ ابْن مَسْعُود: كرهنا ذَلِك لَك فِي الِابْتِدَاء، ثمَّ حمدناه عَلَيْهِ فِي الِانْتِهَاء، قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: سَمِعت أَبَا حُصَيْن يَقُول: مَا ولد مَوْلُود بعد النَّبِيين أفضل من أبي بكر، لقد قَامَ مقَام نَبِي من الْأَنْبِيَاء، يَعْنِي: فِي قتال أهل الرِّدَّة، وردهم إِلَى الْإِسْلَام.
وروى عِيَاض الْأَشْعَرِيّ: " أَن النَّبِي قَرَأَ هَذِه الْآيَة ﴿فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم﴾ وَأَشَارَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ: هَذَا وَأَصْحَابه " وَكَانُوا من أهل الْيمن،

﴿أَيْمَانهم إِنَّهُم لمعكم حبطت أَعْمَالهم فَأَصْبحُوا خاسرين (٥٣) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على﴾ وَلأَهل الْيمن أَمر عَظِيم فِي الْفتُوح الَّتِي وَقعت فِي الْإِسْلَام، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " الْإِيمَان يمَان، وَالْحكمَة يَمَانِية " وَقيل: أَرَادَ بِالْآيَةِ: قوما كَانَ أَكْثَرهم من أهل الْيمن؛ فتحُوا الْقَادِسِيَّة فِي زمَان عمر. وَالْأول أصح ﴿أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ﴾ لَيْسَ من الذل، وَإِنَّمَا هُوَ من الذلة، وَهِي اللين.
وَقَوله: ﴿أعزة على الْكَافرين﴾ لَيْسَ من الْعِزّ وَإِنَّمَا هُوَ من الْعِزَّة؛ وَهِي: الشدَّة، يَعْنِي: أَن جانبهم لين على الْمُؤمنِينَ، شَدِيد على الْكَافرين، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ غلظاء على الْكَافرين " وَهِي معنى الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة.
﴿يجاهدون فِي سَبِيل الله لَا يخَافُونَ لومة لائم﴾ يَعْنِي: لَا يخَافُونَ فِي الله لوم النَّاس، وروى ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من أَرَادَ الْجنَّة لَا شكّ، فَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم " ﴿ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله﴾ هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله: ﴿لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾ لما مَنعهم من مُوالَاة الْيَهُود وَالنَّصَارَى، دعاهم إِلَى مُوالَاة الله وَرَسُوله.
﴿وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ﴾ يَعْنِي: مصلون؛ إِلَّا أَنه خص الرُّكُوع تَشْرِيفًا، وَقيل: مَعْنَاهُ: خاضعون، وَقَالَ السّديّ: - وَهُوَ رِوَايَة عَن مُجَاهِد - إِن هَذَا أنزل فِي عَليّ بن أبي طَالب، كَانَ فِي الرُّكُوع، ومسكين

﴿الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم (٥٤) إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ (٥٥) وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله﴾ يطوف فِي الْمَسْجِد فَنزع خَاتمه، وَدفع إِلَيْهِ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ﴾ وَعَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ الباقر أَنه قَالَ: نزلت الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ، فَقيل لَهُ: إِن قوما يَقُولُونَ: إِن الْآيَة نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: عَليّ من الْمُؤمنِينَ.
صفحة رقم 48