آيات من القرآن الكريم

وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

بِأُصُولِ الدِّينِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَصْرُوفٌ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِفُرُوعِ الدِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً خِطَابٌ لِلْأُمَمِ الثَّلَاثِ: أُمَّةِ مُوسَى، وَأُمَّةِ عِيسَى، وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِدَلِيلِ أَنَّ ذِكْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [الْمَائِدَةِ: ٤٤] ثُمَّ قَالَ وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة: ٤٦] ثم قال وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ [المائدة: ٤٨].
ثُمَّ قَالَ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً يَعْنِي شَرَائِعَ مُخْتَلِفَةً: لِلتَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وَلِلْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَلِلْقُرْآنِ شَرِيعَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: الشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ/ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الدِّينُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَالشِّرْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الشَّرِيعَةِ، وَالطَّرِيقَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَكَارِمِ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمِنْهَاجِ، فَالشَّرِيعَةُ أَوَّلٌ، وَالطَّرِيقَةُ آخِرٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الشَّرِيعَةُ ابْتِدَاءُ الطَّرِيقَةِ، وَالطَّرِيقَةُ الْمِنْهَاجُ الْمُسْتَمِرُّ، وَهَذَا تَقْرِيرُ مَا قلناه. واللَّه أعلم بأسرار كلامه.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً أَيْ جَمَاعَةً مُتَّفِقَةً عَلَى شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ذَوِي أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ دِينٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى وَالْمُعْتَزِلَةُ حَمَلُوهُ عَلَى مَشِيئَةِ الْإِلْجَاءِ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ، هَلْ تَعْمَلُونَ بِهَا مُنْقَادِينَ للَّه خَاضِعِينَ لِتَكَالِيفِ اللَّه، أَمْ تَتَّبِعُونَ الشبه وتقصرون في العمل.
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْ فَابْتَدِرُوهَا وَسَابِقُوا نَحْوَهَا.
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ.
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَيُخْبِرُكُمْ بِمَا لَا تَشُكُّونَ مَعَهُ مِنَ الْجَزَاءِ الْفَاصِلِ بَيْنَ مُحِقِّكُمْ وَمُبْطِلِكُمْ، وَمُوَفِّيكُمْ وَمُقَصِّرِكُمْ فِي الْعَمَلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ سَيَؤُولُ إِلَى مَا يزول معه الشكوك ويحصل مع الْيَقِينُ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُجَازَاةِ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بإساءته.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٩]
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الأولى: فإن قيل: قوله وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ معطوف على ماذا؟
قلنا: على الكتاب في قوله وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ [المائدة: ٤٨] كَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ أَنِ احْكُمْ/ وَ (أَنْ) وُصِلَتْ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالْحَقِّ [المائدة: ٤٨] أي أنزلنا بِالْحَقِّ وَبِأَنِ احْكُمْ، وَقَوْلُهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْيَهُودَ اجْتَمَعُوا وَأَرَادُوا إِيقَاعَهُ فِي تَحْرِيفِ دِينِهِ فَعَصَمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ ذلك.

صفحة رقم 373
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية