
﴿وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ يعني القرآن. ﴿مُصَدِّقَاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني لما قبله من الكتاب وفيه وجهان: أحدهما: مصدقاً بها، وهو قول مقاتل.
صفحة رقم 44
والثاني: موافقاً لها، وهو قول الكلبي. ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني أميناً، وهو قول ابن عباس. والثاني: يعني شاهداً عليه، وهو قول قتادة، والسدي. والثالث: حفيظاً عليه. ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ هذا يدل على وجوب الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إلينا، وألا نحكم بينهم بتوراتهم ولا بإنجيلهم. ﴿وَلاَ تَتَّبعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ﴾ فيهم قولان: أحدهما: أنهم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: أمم جميع الأنبياء. ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ أما الشرعة فهي الشريعة وهي الطريقة الظاهرة، وكل ما شرعت فيه من شيء فهو شريعة ومن قيل لشريعة الماء شريعة لأنها أظهر طرقه إليه، ومنه قولهم: أُشْرِعَتِ الأسنة إذا ظهرت. وأما المنهاج فهو الطريق الواضح، يقال طريق نهج ومنهج، قال الزاجر:
(مَن يَكُ ذَا شَكٍّ فهذَا فَلْجُ | مَاءٌ رُوَاءٌ وطريقٌ نَهْجُ) |