آيات من القرآن الكريم

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

يراد به الخصوصُ فيما لا يخافُ منها على النفْسِ، وكُتُبُ الفقْهِ محَلُّ استيعابِ الكلامِ على هذه المعانيِ.
قال ص: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، أيْ: ذاتُ قصاصٍ. انتهى.
وقوله سبحانه: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، المعنى: أنَّ من تصدَّق بجُرْحه أو دمِ وليه، وعفا، فإنَّ ذلك العَفْوَ كفَّارة لذنوبه يعظم اللَّه أجره بذلك، قال ابن عمر وغيره «١»، وفي معناه حديثٌ مرويٌّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قلت: وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ إلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً»، رواه الترمذيُّ «٢». انتهى.
وقيل: المعنى: فذلك العفو كفَّارة للجارحِ عن ذلك الذنْبِ كما أن القِصَاص كفَّارة، فكذلك العفو كفَّارة وأما أجر العافي، فعلى اللَّه تعالى قاله ابن عبَّاس وغيره «٣».
وقيل: المعنى: إذَا جنى جانٍ، فجُهِلَ، وخَفِيَ أمره، فتصدَّق هذا الجاني بأن اعترفَ بذلك، ومكَّنَ من نفسه فذلك الفعل كفّارة لذنبه.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤٦ الى ٥٠]
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦٠٠) وعزاه لعبد الله بن عمر، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢/ ١٩٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» بنحوه (٢/ ٥١١)، وعزاه للديلمي عن ابن عمر.
(٢) أخرجه الترمذي (٤/ ١٤- ١٥)، كتاب «الديات»، باب ما جاء في العفو، حديث (١٣٩٣)، وابن ماجة (٢/ ٨٩٨) كتاب «الديات»، باب العفو في القصاص، حديث (٢٦٩٣) كلاهما من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن أبي الدرداء به.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء، وأبو السفر اسمه: سعيد بن أحمد ويقال: ابن محمد الثوري.
(٣) أخرجه الطبري (٤/ ٦٠١، ٦٠٢) برقم (١٢٠٩١، ١٢١٠٣)، وذكره ابن عطية (٢/ ١٩٨)، والسيوطي (٢/ ٥١١) وعزاه للفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن ابن عباس.

صفحة رقم 389

وقوله سبحانه: وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ... الآية: الضمير في آثارِهِمْ للنبيِّين.
وقوله: وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ: خُصَّ المتقون بالذِّكْر لأنهم المقصودُ به في عِلْمِ اللَّه وإنْ كان الجميعُ يدعى إلى توحيدِ اللَّه، ويوعَظُ، ولكنَّ ذلك على غَيْرِ المتَّقين عَمًى وحَيْرةٌ.
وقرأ حمزة «١» وحده: «وَلِيَحْكُمَ» - بكسرِ اللامِ، وفتحِ الميمِ- على «لام كَيْ»، ونصبِ الفعلِ بها، والمعنى: وآتيناه الإِنجيل ليتضمَّن الهدى والنور والتصديق، ولِيَحْكُمَ أهله بما أنزل اللَّه فيه، وقرأ باقي السبْعَةِ: «وَلْيَحْكُمْ» - بسكون لامِ الأمرِ، وجزمِ الفعلِ-، ومعنى أمره لهم بالحكم: أي: هكذا يجبُ عليهم.
قُلْتُ: وإذْ من لازم حكمهم بما أنزلَ اللَّه فيه اتباعهم لنبيِّنا محمد- عليه السلام- والإيمانُ به كما يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيلِ، قال الفَخْر «٢» : قيل: المرادُ:
ولْيحكُمْ أهل الإنجيل بما أنزل اللَّه فيه من الدلائلِ الدالَّة على نبوَّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل:
والمرادُ بالفاسقين: مَنْ لم يَمْتَثِلْ من النصارَى. انتهى، وحَسُن عَقِبَ ذلك التوقيفُ على وعيدِ/ مَنْ خالف ما أنزل اللَّه.
وقوله سبحانه: وَمُهَيْمِناً، أي: جعل اللَّه القُرآن مهيمناً على الكُتُب، يشهد بما فيها من الحقائقِ، وعلى ما نسبه المحرِّفون إليها، فيصحِّح الحقائق، ويُبْطِلُ التحريفَ، وهذا هو معنى مُهَيْمِناً، أي: شاهدٌ، ومصدِّقٌ، ومؤتَمَنٌ، وأمينٌ حسَبَ اختلافِ عبارة المفسِّرين في اللفظة، وقال المبرِّد: «مهَيْمِن» : أصله «مؤيمن» بني من «أمين» أبدلت

(١) وحجة الباقين في تسكين الميم: أن الله- سبحانه- أمرهم بالعمل بما في الإنجيل، كما أمر نبينا صلّى الله عليه وسلّم في الآية التي بعدها بالعمل بما أنزل الله إليه في الكتاب بقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
ينظر: «السبعة» (٢٤٤)، و «الحجة» (٣/ ٢٢٧)، و «حجة القراءات» (٢٢٧)، و «العنوان» (٨٧)، و «شرح شعلة» (٣٥١)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٢٣٠)، و «إتحاف» (١/ ٥٣٦)، و «معاني القراءات» (١/ ٣٢٢). [.....]
(٢) ينظر: «مفاتيح الغيب» (١٢/ ١٠).

صفحة رقم 390

همزتُهُ هاءً كما قالوا: أَرَقْتُ المَاءَ، وَهَرَقْتُهُ واستحسنه الزَّجَّاج.
وقوله سبحانه: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ: المعنى عند الجمهور: إن اخترت أنْ تحكم، فاحكم بينهم بما أنْزَلَ اللَّه، وليسَتْ هذه الآيةُ بناسخةٍ لقوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة: ٤٢].
ثم حذَّر اللَّه تعالى نبيَّه- عليه السلام- من اتباع أهوائهم.
وقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، أي: لكلِّ أمة قاله الجمهور، وهذا عندهم في الأحكامِ، وأما في المعتَقَدَاتِ، فالدِّين واحدٌ لجميع العالَمِ، ويحتملُ أنْ يكون المرادُ الأنبياءَ، لا سيَّما وقد تقدَّم ذكرهم، وذكر ما أُنْزِلَ عليهم، وتجيء الآيةُ، معَ هذا الاحتمال تنبيهاً لنبيِّنا محمَّد- عليه السلام-، أيْ: فاحفظ شرعتك ومنهاجَكَ لئلاَ تستزلَّك اليهودُ، أو غيرُهم في شيء منْه، وأكثرُ المتأوِّلين على أن الشِّرْعَة والمِنْهَاجَ بمعنًى واحدٍ، وهي الطريقُ، وقال ابن عباس وغيره: شِرْعَةً وَمِنْهاجاً: سبيلاً وسُنَّة «١»، ثم أخبر سبحانه أنه لَوْ شاء، لَجَعَل النَّاس أُمَّةً واحدةً، ولكنه لم يشأْ لأنه أراد اختبارهم وابتلاءهم فيما آتاهم مِنَ الكُتُب والشرائع كذا قال ابنُ جُرَيْج «٢» وغيره.
ثم أمر سبحانه باستباق الخيراتِ في امتثال الأوامر، وخَتَمَ سبحانه بالموعظةِ والتَّذْكير بالمعادِ، فقال: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، والمعنى: فالبِدَار البِدَارَ.
وقوله سبحانه: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، معناه: في الثَّوَاب والعقَاب، فتُخْبَرُونَ به إخبار إيقاعٍ، وهذه الآية بارعةُ الفَصَاحة، جَمَعتِ المعانِيَ الكثيرةَ في الألفاظِ اليسيرة، وكُلُّ كتابِ اللَّه كذلك، إلاَّ أنَّا بقصورِ أفهامنا يَبِينُ لنا في بَعْضٍ أكثرُ ممَّا يبينُ لنا في بعض.
وقوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ... الآية: الهوى مقصورٌ يجمعُ على أهْوَاء، والهَوَاء ممدودٌ يُجْمع على أَهْوِيَةٍ، ثم حذَّر تعالى نبيَّه- عليه السلام- من اليهودِ أنْ يفتنوه بأنْ يَصْرِفُوه عن شيء ممَّا أنزل الله عليه من الأحكام

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦١١) (١٢١٤٣)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٢/ ٤٣)، وابن عطية في «تفسيره» (٢/ ٢٠١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥١٣)، وعزاه لعبد بن حميد، وسعيد بن منصور، والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، من طرق عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤/ ٦١٢) برقم (١٢١٥٤).

صفحة رقم 391
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية