آيات من القرآن الكريم

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

والقول الأول أظهر.
وقرأ حمزة: ﴿وَلْيَحْكُمْ﴾ بكسر اللام وفتح الميم (١)، جعل اللام متعلقة بقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٤٦] لأن إيتاءه الإنجيل إنزال ذلك عليه، فصار ذلك بمنزلة قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: ١٠٥] (٢)، وكأن المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم (٣).
٤٨ - قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾. قال مقاتل: يعني القرآن، لم ينزله عبثًا (٤).
وقوله تعالى: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾. قال ابن عباس: يريد كل كتاب أنزله الله على الأنبياء (٥).
قال مقاتل: يعني: شاهدًا أن الكتب التي أنزلت قبله أنها من الله (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾.
اختلفت الروايات عن ابن عباس في تفسير المهيمن، فقال في رواية الوالبي: شاهدًا عليهم (٧).

(١) "الحجة" ٣/ ٢٢٧، "التيسير في القراءات السبع" ص ٩٩.
(٢) في "الحجة" ٣/ ٢٨٨: فكأن.
(٣) "الحجة" ٣/ ٢٢٧، ٢٢٨.
(٤) "تفسير مقاتل بن سليمان" ١/ ٤٨١.
(٥) انظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٧٠.
(٦) "تفسيره" ١/ ٤٨١.
(٧) "تفسيره" ص ١٨١ بلفظ: شهيداً، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٦، وانظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٥، "الدر المنثور" ٢/ ٥١٣.

صفحة رقم 403

وهو قول السدي (١) والكسائي (٢)، ورواية عطاء عنه أيضًا: شاهدًا على جميع الكتب (٣).
وقال فيما روى عنه أبو عبيدة بإسناد له: مؤتمنًا (٤) وهو قول سعيد بن جبير (٥).
وقال في رواية عطية (عنه) (٦): أمينًا (٧) وهو قول قتادة (٨) ومجاهد (٩).
وقال الحسن (١٠): مصدقًا لهذه الكتب أمينًا عليها (١١).
هذا كلام المفسرين (١٢).
فأما أهل اللغة فقال المبرد: إن الهاء بدل من الهمزة، وأن أصله:

(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٦، وانظر: "النكت والعيون" ٢/ ٤٥، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٥.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ (همن)، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٥.
(٣) انظر: "الدر المنثور" ٢/ ٥١٣.
(٤) أخرج هذا القول لابن عباس: الطبري في "تفسيره" من طرق كثيرة في "جامع البيان" ٦/ ٢٦٦ - ٢٦٧، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٦٨، "الدر المنثور" ٢/ ٥١٢.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٧.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (ش).
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٧، وانظر: "الدر المنثور" ٢/ ٥١٣.
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٧.
(٩) قول مجاهد أن المعنى: مؤتمن، "تفسيره" ١/ ١٩٨، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦.
(١٠) في الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٧: الحسين، ولعله تصحيف.
(١١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٧، وأبو علي في "الحجة" ١/ ٢٢٩، وانظر: البغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٥، و"زاد المسير" ٢/ ٣٧١، وابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٧٤ - ٧٥.
(١٢) وهي متقاربة من حيث المعنى.

صفحة رقم 404

مؤيمن، فجعلت الهاء بدلًا من الهمزة، كما قالوا: هَرَقْت وأَرَقْت، وإياك وهياك (١).
قال أبو إسحاق: وهذا على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير؛ لأن معناه مؤتمن (٢).
وقال ابن الأنباري (٣) -وحكى قول أبي العباس- ثم قال: ومهيمن وزنه مفيعل، وقد جاء في كلام العرب حروف على مثاله، منها: المسيطر، وهو المسلّط، والمبيطر، وهو البيطار (٤)، والمبيقر (٥) من قوله:
بأنَّ امرأ القَيسِ بنَ تَملكَ بَيْقَرا (٦)
والمديبر من الإدبار والتخلف، والمجيمر اسم جبل في قوله:
كأن ذُرَى رأسِ المُجَيمر غُدْوَةً (٧)...................... (٨)

(١) "معاني الزجاج" ٢/ ١٨٠، "الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٨٦، "معاني النحاس" ٢/ ٣١٨، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ (همن).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٨٠، وقد قال الأزهري مثل قول الزجاج في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ (همن).
(٣) في "الزاهر" ١/ ٨٦، ٨٧.
(٤) المبيطر والبيطار: معالج الدواب. انظر: "اللسان" ١/ ٣٠١ (بطر).
(٥) في "الزاهر" ١/ ٨٧: والمبيقر من قولهم: قد بيقر الرجل يبيقر بيقرة، إذا فسد.
(٦) عجز بيت لأمرئ القيس، وصدره: ألا هل أتاها والحوادث جمة
"ديوانه" ص ٦٢، "الزاهر" ١/ ٨٧.
(٧) صدر بيت لأمرئ القيس من معلقته، وعجزه: من السيل والأغثاء فلكة مغزل "ديوانه" ص ١٢٢، "الزاهر" ١/ ٨٧، "شرح القصائد المشهورات" ١/ ٤٨، ٤٩. والأغثاء: ما يحيله السيل من الأشياء، وفكلة مغزل: أي أن الماء استدار حوله فصار كفلكة المغزل.
(٨) "الزاهر" ١/ ٨٦، ٨٧، وانظر: "الحجة" لأبي علي ١/ ٢٣٠، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٥.

صفحة رقم 405

وقال الأزهري: الذي قاله المبرد في المهيمن أنه في الأصل: مؤيمن له مخرج من العربية حسن (١). وذلك أن آمن يؤمن كان في الأصل: آمن مؤيمن، وكذلك يفعل في الأصل: يوفعل، فاستثقلوا هذه الهمزة وحذفوها، كما حذفوا الهمزة الأصلية من: أرى ويرى، فأما المهيمن فإنهم ردوا الهمزة إلى الكلمة، ثم قلبت هاء؛ لأن الهاء أخف من الهمزة؛ لأن للهمزة ضغطة في الحلق ليست للهاء.
فالمهيمن على هذا التأويل بمعنى: المؤمن، وهو المصدق، وهو الأمين، كما قال المفسرون.
وقال ابن جريج: (ومهيمنًا) أمينًا على الكتب قبله، فما أخبر أهل الكتاب بأمر، فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا (٢).
هذا طرق أهل اللغة في معنى المهيمن وأصله، فالمهيمن عندهم بمنزلة الأمين.
قال الأزهري: وكان النبي - ﷺ - يسمى الأمين، يعرف به قبل الإسلام، فقال العباس فيه يمدحه:

حتى احتوى بيتُك المُهَيمنُ مِن خِندِفَ عَلياءَ تحتَها النُّطُقُ (٣)
وبيته شرفه ومجده، أراد: حتى احتويت أنت أيها المهيمن من خِندِفَ علياء، أي: الشرف (٤).
(١) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ (همن)، وما بعد ذلك فهو من تعليق المؤلف على ما يظهر، حيث إنه لا وجود له في "التهذيب"، والله أعلم.
(٢) لم أقف عليه، وقد تقدم قريبًا عن ابن عباس وغيره نحوه.
(٣) البيت في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠، "اللسان" ٨/ ٤٧٠٥ (همن)، والنطق أوساط الجبال العالية.
(٤) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ بتصرف، وانظر: "اللسان" ٨/ ٤٧٠٥ (همن).

صفحة رقم 406

فجعل العباس المهيمن في بيته صفة للنبي، أراد به الأمين.
وقال جماعة من أهل اللغة: المهيمن: الرقيب الحافظ، يقال: قد هيمن الرجل يهيمن هيمنة، إذا كان رقيبًا على الشيء. وهو قول الخليل وأبي عبيد (١).
وقال أبو عبيدة: المهيمن: الشاهد المصدق (٢)، واحتج بقول حسان (٣):

إن الكتاب مهيمنٌ لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب (٤)
وقوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾. يعني: بين اليهود بالقرآن، والرجم على الزانيين.
﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد ما حرفوا وبدلوا، يعني: من أمر الرجم (٥).
وقوله تعالى: ﴿عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾.
يقول: لا تتبعهم عما عندك من الحق فتتركه وتتبعهم، كما تقول: لا تتبع زيدًا عن رأيك، يعني لا تترك رأيك وتتبعه.
(١) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ١٧٩، "معاني النحاس" ٢/ ٣١٨، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٠٠ (همن)، "زاد المسير" ٢/ ٣٧١، "اللسان" ١٣/ ٤٣٧ (همن).
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٦٨.
(٣) تقدمت ترجمته.
(٤) في "ديوانه" ص ٣٥، لكن صدره: أخوات أمك قد علمت مكانها
(٥) انظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٧١، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١١٦. وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ قال: بحدود الله، ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾. "تفسيره" ص ١٨١، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٩.

صفحة رقم 407

ويجوز أن تكون (عن) في قوله: (عما) من صلة معنى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ وذلك أن معناه: لا تَزغ، فكأنه قيل: لا تزغ عما جاءك (من الحق) (١) باتباع أهوائهم.
وقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (٢).
الشَّرعة والشريعة واحدة، وأصلها من الشرع وهو البيان والإظهار، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ [الشورى: ١٣] (٣). قال ابن الأعرابي: شرع أي أظهر. قال: وشرع فلان، إذا أظهر الحق وقمع الباطل (٤).
قال الأزهري: معنى (شرع) بين وأوضح، مأخوذ من شَرَع الإهاب (٥).
قال ابن السكيت: الشرع مصدر شَرَعت الإهاب إذا شققت ما بين الرِّجلين وسلختَه (٦).
وقال غيره: الشارع والشرعة والشريعة: الطريقة الظاهرة. وتسمى معالم الدين شريعة لوضوحها (٧).
وقال قوم: أصل الشريعة من الشروع، وهو الدخول في الأمر (٨)، والشرعة والشريعة في كلام العرب المَشْرَعَة التي يشرعها الناس فيشربون

(١) في (ج): (بالحق).
(٢) في (ج): بعد (ومنهاجا): ومنها، ولعلها زائدة أو تكرار لبعض كلمة: (منهاجا).
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٦٨، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٤٣، الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٩، "معاني النحاس" ٢/ ٣١٩.
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٨.
(٥) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٨.
(٦) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٨، وانظر: "الصحاح" ٣/ ١٢٣٦ (شرع).
(٧) انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٣١٩، "النكت والعيون" ٢/ ١٨٥٧.
(٨) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٩، "تهذيب اللغة" ٣/ ١٨٦٠، "الصحاح" ٣/ ١٢٣٦ (شرع).

صفحة رقم 408

ويسقون بها (١).
قال الليث: شرعت الواردةُ الشريعةُ، إذا تناولت الماء بفيها، والشريعة: المَشْرَعة. قال: وبها سُمّي ما شرع الله للعباد: شريعةً، من الصلاة والصوم والنكاح والحج وغيره (٢).
فعلى هذا معنى الشِّرعة والشَّريعة: الطريقة لشروع الناس فيها.
والمنهاج: الطريق الواضح، ومنهج الطريق: وَضَحه، ونهج الأمر وأنهج، لغتان، (إذا وضح) (٣). قاله الليث (٤).
وقال ابن بُزُرج (٥): استَنْهَج الطريقُ: صار نهجًا، ويقال: نهجت لك الطريق وأنهجته، لغتان، فهو منهوج ومُنهَج، وهو نَهجٌ ومُنهج (٦).
وأما الكلام في الجمع بين الشرعة والمنهاج فقال الأكثرون: إنها بمعنى واحد، وجمع بينهما للتأكيد في اللفظ. وهذا قول مجاهد (٧) والزجاج.

(١) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٨ (شرع).
(٢) من "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٨، وانظر: "العين" ١/ ٢٥٢، ٢٥٣.
(٣) في (ش): (إذا أوضح)، وما أثبته هو الموافق لـ"العين" ٣/ ٣٩٢.
(٤) "العين" ٣/ ٣٩٢، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٧٢ (نهج)، وانظر: الطبري في "تفسيره" ١٠/ ٣٨٤.
(٥) هو عبد الرحمن بن بزرج -بضم الباء- عالم لغوي له مؤلفات وتعليقات أفاد منها الأزهري في "تهذيب اللغة"، وقد عده الأزهري من متأخري الطبقة الثانية من علماء اللغة الذين اعتمد عليهم في كتابه، ولم تذكر سنة وفاته.
انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٧٢ المقدمة، "إنباه الرواة" ٢/ ١٦١، "الإكمال" لابن ماكولا ١/ ١٥٥، ١٥٦.
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٧٢، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٦٩.
(٧) قال مجاهد في تفسيرهما: الشرعة: السنة. والمنهاج السبيل.
"تفسيره" ١/ ١٩٨، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧١ من طرق، وانظر: "النكت =

صفحة رقم 409

قال الزجاج: الشرعة والمنهاج جميعًا: الطريق، والطريق ههنا: الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتى به بألفاظ تؤكد بها القصة والأمر. قال: وقال بعضهم: الشرعة: الدين والمنهاج: الطريق (١).
وقال ابن الأنباري: الشرعة: ابتداء الطريق، والمنهاج: الطريق الواضح كله المستمر، فصح النسق للمخالفة بينهما (٢).
وهذا قول محمد بن يزيد. حكاه الزجاج عنه (٣).
وأما التفسير: فقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾: سبيلًا وسنة (٤)، ورُوي: سنة وسبيلًا (٥).
وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك في تفسير الشرعة والمنهاج (٦).
وأما معنى الآية فقال قتادة في قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً﴾ الخطاب للأمم الثلاث، أمة موسى، وأمة عيسى، وأمة محمد (عليهم

= والعيون" ٢/ ٤٥.
وقد ذكر أبو حيان في "البحر المحيط" ٣/ ٥٠٣ عن مجاهد أنه قال: الشرعة والمنهاج دين محمد - ﷺ -.
(١) قول الزجاج في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٧، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٤٤١، ولم أجد في "معاني القرآن" له شيئاً من ذلك.
(٢) انظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٧٢، "البحر المحيط" ٣/ ٥٠٣، "الدر المصون" ٤/ ٢٩٣.
(٣) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٧ (شرع)، وانظر: "معاني النحاس" ٢/ ٩١٩، "زاد المسير" ٢/ ٣٧٢، "البحر المحيط" ٣/ ٥٠٣، "الدر المصون" ٤/ ٢٩٣.
(٤) "تفسيره" ص ١٨١، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧٠ - ٢٧١ من طرق، وانظر: "النكت والعيون" ٢/ ٤٥.
(٥) أخرج هذه الرواية الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧٠ - ٢٧١ من طرق.
(٦) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧١ - ٢٧٢، وانظر: "النكت والعيون" ٢/ ٤٥.

صفحة رقم 410

السلام) (١) ولا يعني به قوم كل نبي؛ لأن الشريعة (٢) لم تختلف من لدن موسى إلى عيسى، وإنما اختلفت على لسان عيسى، ثم لم تختلف إلى زمن محمد، ثم اختلفت على لسانه، ألا ترى أن ذكر هؤلاء الثلاثة قد تقدم في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ الآية [المائدة: ٤٤]، ثم قال: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٤٦]، ثم قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾، ثم قال: ﴿لكلٍ (٣) جَعَلْنا مِنكُم شِرْعَةً ومنهَاجًا﴾ يعني: شرائع مختلفة، للتوراة (٤) شريعة، وللإنجيل (٥) شريعة، وللقرآن (٦) شريعة، والدين واحد لا يقبل الله إلا الإخلاص (٧).
وقال مجاهد: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ السبيل الجادة (٨)، من دخل في دين محمد فقد جعل له شرعة ومنهاجًا، والقرآن له شرعة ومنهاج (٩).
وعلى هذا القول المراد (بالشرعة) (١٠) والمنهاج: القرآن، ودين محمد - ﷺ - وهو الذي جعل منهاجًا للكل وندب إليه الجميع، وليس المراد

(١) ساقط من (ج).
(٢) في (ش): (الشرائع).
(٣) في (ج): (ولكل).
(٤) في (ش): (التوراة).
(٥) في (ش): (الإنجيل).
(٦) في (ش): (القرآن).
(٧) أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٨٩٩ مختصرًا، وأخرجه بمعناه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧٠، وانظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٦٦، "الدر المنثور" ٢/ ٥١٣.
(٨) الجادة أي الطريق. انظر: "اللسان" ١/ ٥٦١ - ٥٦٢ (جدد).
(٩) أخرجه بنحوه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٧٠، وانظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٧٣.
(١٠) في (خ): (بالشرع).

صفحة رقم 411

الإخبار عن اختلاف الشرائع، واختصاص كل أمة بشريعة، كما ذكره قتادة.
والقول الأول أظهر وعليه المفسرون، فقد قال مقاتل: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ يعني: من المسلمين وأهل الكتاب (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. قال الحسن: لو شاء لجمعكم على الحق (٢).
وقال الكلبي: ولو شاء (الله) (٣) لجعلكم أمة واحدة على أمر واحد ملة الإسلام (٤).
﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ﴾. ليختبركم فيما أعطاكم من الكتاب والسنن.
ومضى الكلام في ابتلاء الله عز وجل عند قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩].
وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾. قال مقاتل: (يقول) (٥): سارعوا في الأعمال الصالحة (٦).
وقال الكلبي: يقول: سابقوا الأمم الماضية إلى السنن والفرائض والصالحات من الأعمال (٧).
والاستباق في اللغة بين اثنين، يجتهد كل واحد منهما أن يسبق

(١) "تفسيره" ١/ ٤٨١، ٤٨٢.
(٢) "النكت والعيون" ٢/ ٤٥، وانظر: "تفسير الهواري" ١/ ٤٧٨.
(٣) ساقط من (ج).
(٤) أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٩٠٠ غير منسوب، ولم أقف عليه.
(٥) ساقط من (ج).
(٦) "تفسيره" ١/ ٤٨٢، "زاد المسير" ٢/ ٣٧٤.
(٧) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١١٦.

صفحة رقم 412
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية