
يهديهم (١).
قال أهل العلم: قد دلت هذه الآية على أن الله تعالى غير مريد إسلام الكافر، وأنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك، ولو فعل ذلك لآمن. وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾. قالوا: خزي المنافقين هتك سترهم بإطلاع النبي - ﷺ - على كفرهم وخوفهم القتل، وخزي اليهود فضيحتهم بظهور كذبهم في كتمان الرجم وأخذ الجزية منهم (٣).
﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٤١]. وهو الخلود في النار (٤).
٤٢ - قوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ مضى الكلام فيه (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.
قال الليث: السحت: كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار (٦).
وأجمعوا على أن المراد بالسحت ههنا: الرشوة في الحكم، وقالوا: نزلت الآية في حكام اليهود، كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم (٧).
(٢) انظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٨.
(٣) انظر: "معاني النحاس" ٢/ ٣٠٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٨، و"زاد المسير" ٢/ ٣٥٩.
(٤) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٣٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٨.
(٥) تقدم قريبًا.
(٦) "العين" ٣/ ١٣٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٣٧ (سحت).
(٧) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ١٤١، والطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٣٩، و"معاني الزجاج" ٢/ ١٧٧، و"بحر العلوم" ١/ ٤٣٨، و"معاني النحاس" ٢/ ٣٠٩، و"النكت والعيون" ٢/ ٤٠، البغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٨.

وقال الحسن في هذه الآية: تلك الحكام يسمعون الكذب ممن يكذب في دعواه عندهم، ويأتيهم برشوة فيأخذونها ويأكلونه، فسمعوا كذبه وأكلوا رشوته (١).
فأما اشتقاق السُّحت: فقال الزجاج: إن الرِّشَا التي يأخذونها يعاقبهم الله بها أن يسحتهم بعذاب، أي يستأصلهم (٢).
وذكر عن الفراء أنه قال: (أصله (٣)) كَلَبُ الجوع، يقال: رجل مسحوتُ المعدة، إذا كان أكولا، لا يُلقى إلا جائعًا أبدًا، قال رؤبة (٤) في قصة يونس (عليه السلام (٥)) والحوت:
يدفع عنه جوفُه المَسْحوتُ (٦)
أي: الجائع (٧).
(٢) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ١٧٧، "معاني النحاس" ٢/ ٣٠٩.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ج)، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٤١.
(٤) هو رؤبة بن العجاج عبد الله بن رؤبة التميمي، من الشعراء الرجاز. كان رأسًا في اللغة، قيل إنه توفي سنة ١٤٥ هـ.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٣٩٤، "طبقات الشعراء" ٣٣، "سير أعلام النبلاء" ٦/ ١٦٢.
(٥) ساقطة من (ج).
(٦) عجز بيت من الرجز وصدره:
والليل فوق الماء مستميت
"ديوان رؤبة" ص ٢٧، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٣٨.
ويدفع رُوي بالبناء للمفعول، والمعنى: نحى الله جل وعز جوانب جوف الحوت عن يونس، وجافاه عنه فلا يصيبه منه أذى. ورُوي بالبناء للفاعل يدفع والمعنى: أن جوف الحوت صار وقاية له من الغرق، وإنما دفع الله جل وعز عنه.
(٧) لم أقف على قول الفراء، وانظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٤١.

فالسحت حرام يحمل عليه الشره كشره المسحوت المعدة، وعلى ما قال الليث، إنه حرام يلزم منه العار، يمكن أن يقال: سمي سُحْتا؛ لأنه يسحت مروءة الإنسان.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾.
هذا تخيير للنبي - ﷺ - في الحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه، إن شاء حكم، وإن شاء ترك (١).
واختلفوا في ثبوت هذا التخيير: فقال إبراهيم والشعبي وعطاء وقتادة: إنه ثابت اليوم لحكام المسلمين، إن شاءوا حكموا بينهم بحكم الإسلام، وإن شاءوا أعرضوا (٢).
وقال آخرون: إنه منسوخ بقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩].
وهو قول الحسن ومجاهد والكلبي وعكرمة والسدي (٣)، ورُوي ذلك عن ابن عباس (٤).
(٢) أخرج أقوالهم الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٤٣ - ٢٤٤، وانظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٢٩٣، "معاني النحاس" ٢/ ٣١٠، "النكت والعيون" ٢/ ٤١، البغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٩، وبهذا القول قال الإِمام أحمد -رحمه الله- انظر: "زاد المسير" ٢/ ٣٦١، ورجحه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٤٦.
(٣) انظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١٣٤، والطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٤٥ - ٢٤٦، و"معاني النحاس" ٢/ ٣١٠، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٢٩٤، ١٩٥، و"النكت والعيون" ٢/ ٤٥، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٩.
(٤) أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٣٤، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٢٩٤ بإسناد صحيح، وانظر المصادر السابقة.