آيات من القرآن الكريم

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ

كتبنا على بنى إسرائيل ومن بعدهم: أنه من قتل نفسا بغير نفس، أى: بدون قصاص أو بدون فساد في الأرض يزلزل الأمن والطمأنينة، ويهلك الحرث والنسل، وذلك مثل قطع الطريق، من يفعل شيئا من ذلك فكأنما قتل الناس جميعا، واعتدى على المجتمع البشرى كله!! أفلا يكون هذا الجرم فظيعا؟ إنه لقطيع، ولذلك كان من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً الآية من سورة النساء. آية ٩٣.
ومن هنا تعلم أن نفس القتيل ليست ملكه، بل هي ملك للمجتمع الذي يعيش فيه، فمن اعتدى على نفس ولو كانت نفسه (بالانتحار) استحق عقاب الله الشديد يوم القيامة... ومن أحيا نفسا بأى سبب كان، فكأنما أحيا الناس جميعا إذ كل نفس عضو في المجتمع.
ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات الواضحات كالشمس أو أشد. ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون بعد هذا البيان الرائع.
وهذه الآية الكريمة تقرر بوضوح مبدأ تكافل الأمة الواحدة وتضامنها كوحدة خاصة.
حكم قطاع الطرق [سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)

صفحة رقم 506

المفردات:
يُحارِبُونَ الحرب: ضد السلم والأمن على النفس والمال. فَساداً الفساد: ضد الصلاح، وكل من أخرج شيئا عن وضعه الصالح له يقال: إنه أفسده.
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ: ينقلوا من البلد أو القطر الذي أفسدوا فيه إلى غيره، وقيل:
المراد يسجنوا.
سبب النزول:
روى البخاري ومسلم عن أنس أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم وتكلموا بالإسلام، فاستوخموا المدينة- وجدوها رديئة المناخ- فأمر لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بزود من الإبل- الزود من ثلاثة إلى تسعة- وراع وأمرهم أن يخرجوا إلى الصحراء فيشربوا من «أبوالها وألبانها» فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلام، وقتلوا الرعي
وفي رواية، مثّلوا به، واستاقوا الزود من الإبل. فبلغ ذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم فبعث في طلبهم فأتوا بهم فسملوا أعينهم (كحلوها بمسامير الحديد المحماة) وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف وتركوا حتى ماتوا، فنزلت الآية.
والظاهر- والله أعلم- أن هذه الآية عامة لكل من يفعل هذا العمل الشنيع في دار الإسلام سواء كان مسلما أو غيره.
والله تعالى أنزل هذه الآية بهذا التشديد في العقاب لسد ذريعة هذه المفسدة، وهي إزالة الأمن من بين ربوع الدولة، واضطراب الناس فيها، ومع هذا حرم المثلة وتشويه الأعضاء.
المعنى:
لا جزاء للذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا، إلا ما ذكره الله من التقتيل أو الصلب أو تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض.
ومحاربة الله ورسوله تكون بالاعتداء على شرعة الأمان والسلم والحق والعدل

صفحة رقم 507

والطمأنينة بين الناس، كما أنها تكون بالاعتداء على الحقوق الشرعية، كمنع الزكاة مثلا، كما حصل لأبى بكر فقد حارب المانعين لها بكل قواه.
هذا كله يلزمه الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل:
وقد وضع الله للقتل والسرقة والاعتداء على المال حدودا خفيفة، فمثلا في القتل القصاص إلا إذا عفى له عن شيء، وفي السرقة قطع اليد والاعتداءات على المال بالضمان مثلا لأنها اعتداءات فردية.
أما هنا في هذه الآية فتلك حدود قطاع الطريق المجاهرين بالمعصية المجتمعين للاعتداء. لذلك شرط بعضهم شروطا ثلاثة للمحاربين:
١- أن يكون معهم سلاح يعتمدون عليه.
٢- أن يكون ذلك في صحراء أو في مكان لا تنفع فيه الاستغاثة.
٣- أن يأتوا مجاهرين معتمدين على القوة والغلب، لا على الخفية واللصوصية.
أما جزاؤهم فأخذهم بلا رحمة ولا هوادة، وإن كانوا جماعة. يشير إلى هذا قوله تعالى: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا.
وعند الجمهور أن القتل في الآية للقاتل، والصلب مع القتل لمن أخذ المال وقتل، وقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لمن أخذ المال وأخاف.
والنفي لمن أخذ المال فقط، وليس للولي العفو في حد من هذه الحدود، فمثلا في القتل العادي يجوز للولي العفو وترك القصاص. وهنا لا بد من القصاص وإن عفا، وهذا معنى التشديد الذي يشير إليه لفظ (يقتّلوا).
ذلك لهم خزي وأى خزي بعد هذا العقاب الصارم؟، ولهم في الآخرة بعد ذلك عذاب عظيم جدا.
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ولم يكن للإمام عليهم من سبيل فاعلموا أن حد الله يسقط عنهم، ويؤخذون بحقوق الآدميين، أى: يقتص منهم عن النفس والجراح، وكان عليهم ما أتلفوه من مال ودم، ويجوز لولى الدم العفو كسائر الجنايات

صفحة رقم 508
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية