آيات من القرآن الكريم

فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

ويلحظ كذلك شيء من الانسجام بين الآية والآيات الثلاث السابقة لها بحيث يتبادر أنها نزلت معها على سبيل توكيد الله ومراقبته. وأن ما احتوته من إشارة إنما كانت على سبيل التذكير في موقف يؤمر المسلمون فيه بتقوى الله والتزام حدوده.
ولقد انتهت الآية بالتنبيه إلى أن على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويعتمدوا عليه فهو كافيهم ومنجيهم من الأخطار. ومثل هذا تكرر كثيرا في الآيات المكية والمدنية لما في ذلك من معالجة روحية وبثّ للقوة المعنوية في المسلمين لمواجهة ما كانوا يتعرضون له من أخطار ومواقف محرجة. وتلقينها مستمر المدى للمسلمين في كل ظرف ومكان بطبيعة الحال على ما شرحناه شرحا وافيا في إحدى المناسبات السابقة.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)
. (١) النقيب: لغة من نقب الشيء أي بحثه وفحصه، ونقيب القوم من يفحص ويبحث أحوالهم، ثم صار علما على رئيسهم وصاحب التوجيه والأمر فيهم.

صفحة رقم 72

(٢) خائنة: بمعنى خيانة.
تعليق على الآية وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً... والآيتين التاليتين لها وما فيها من صور وتلقين
عبارة الآيات واضحة. وفيها تذكير بما كان من أمر بني إسرائيل والنصارى.
وبما أخذه الله عليهم من ميثاق بالثبات على طريق الحقّ والقيام بالواجبات المفروضة عليهم وتصديق الرسل الذين يأتونهم بالهدى من قبل الله وتأييدهم. وبما كان من نقضهم لهذا الميثاق وانحرافهم عن جادة الحق والواجب. وما كان من تحريف اليهود لكلام الله. وما كان من نتيجة لذلك من استحقاقهم للعنته وتقسية قلوبهم.
وما كان من نزاع وعداء وبغضاء بين النصارى واستمرار ذلك إلى يوم القيامة حيث ينبئهم الله ويفصل بينهم فيما كانوا يصنعونه. والمتبادر أن جملة فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ أسلوبية وأن الأولى أن تحمل على أن القصد منها هو تقرير كون ما قام بين النصارى من نزاع وبغضاء وعداء هو بسبب ما كان من إهمالهم ما أمروا به وانحرافهم عن طريق الحق. وروح العبارة وفحواها يدعمان ذلك.
وفي الآية الثانية جملة اعتراضية فيها خطاب للنبي ﷺ بأنه ما يزال يطلع على خيانة من اليهود بسبيل توكيد استمرارهم فيما ارتكسوا فيه من انحرافات ونقض ميثاق باستثناء القليل منهم الذين يجب على النبي ﷺ العفو والتسامح معهم لأن الله يحبّ المحسنين.
ولم نطلع على مناسبة خاصة لنزول الآيات وورودها في الترتيب بعد السلسلة التشريعية يمكن أن يسوغ القول أنه قصد بها تذكير المسلمين بما كان من أمر أهل الكتاب وانحرافهم ونقضهم مواثيق الله وبما كان من نكال الله لهم باللعنة والبغضاء والعداوة وتقسية القلوب على سبيل العظة والدعوة إلى الاعتبار والتوكيد على الاستقامة على أوامر الله والتزام حدوده. وفي الآية السابعة من السورة تذكير

صفحة رقم 73

بميثاق الله الذي أخذه الله من المسلمين مما قد يقوي التوجيه، ويجعل صلة ما بين هذه الآية والآيات السابقة.
وفي الآيات صور لواقع اليهود والنصارى في زمن النبي ﷺ استمرارا لما قبله من انحراف واختلاف وعداوة ومذاهب وأحزاب وقتال فيما بينهم مما حكته عنهم آيات كثيرة في سورة البقرة وآل عمران والنساء ببيانات أوفى وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار.
ولقد ذكر الطبري عزوا إلى ابن إسحاق خبر الاثني عشر نقيبا الذين أمر الله موسى إقامتهم ليكونوا كفلاء على قومهم ثم ذكر أن موسى أرسلهم للتجسس على الأرض المقدسة وذكر أسماءهم. وذكر ذلك ابن كثير أيضا وأورد نفس الأسماء ثم قال إنه رأى في السفر الرابع من التوراة أسماء غير هذه الأسماء وأوردها. وفي سفر العدد المتداول اليوم وهو فعلا السفر الرابع من أسفار العهد القديم خبران مستقلان. واحد في الإصحاح الثاني منه يذكر خبر أمر الله لموسى بإقامة رئيس على كل سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر وأسماءهم الذين يذكر أن الله أوحى بها. وثان في الإصحاح الثالث عشر منه يذكر أن الله أوحى لموسى بانتداب رجل من كل سبط ليذهبوا ويتجسسوا على أرض كنعان. والأسماء المذكورة في صدد كل خبر مختلفة. والسفر يذكر أن الله أوحى بأسماء الخبر الأول فقط.
والأسماء التي أوردها الطبري هي أسماء الخبر الثاني حيث يبدو أن ابن إسحاق الذي يعزو الطبري إليه مزج الخبرين وسمى أسماء الخبر الثاني. وأن ابن كثير ظن أنه صحح الأسماء. ولم ينتبه إلى أن في السفر خبرين لكل منهما أسماء مختلفة عن الآخر. والمتبادر أن الاثني عشر نقيبا المذكور خبرهم في الآيات هم الذين ذكر خبرهم في الإصحاح الثاني من سفر العدد لأنهم انتدبوا بوحي الله كما ذكر الإصحاح ليكونوا رؤساء لأسباطهم. ولم نر ضرورة إلى ذكر الأسماء لأن الهدف القرآني لا يقتضيه.
وفي أسفار الخروج والأحبار والعدد وتثنية الاشتراع المتداولة اليوم والتي

صفحة رقم 74
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية