آيات من القرآن الكريم

قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

دِينِهِ وَإِشْرَاقِ رُوحِهِ لَمَّا ذَكَرَ الرِّزْقَ بِقَوْلِهِ وَارْزُقْنا لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ بَلِ انْتَقَلَ مِنَ الرزق إلى الرازق فَقَالَ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَقَوْلُهُ رَبَّنا ابْتِدَاءٌ مِنْهُ بِذِكْرِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَوْلُهُ أَنْزِلْ عَلَيْنا انْتِقَالٌ مِنَ الذَّاتِ إِلَى الصِّفَاتِ، وَقَوْلُهُ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا إِشَارَةٌ إِلَى ابْتِهَاجِ الرُّوحِ بِالنِّعْمَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا نِعْمَةٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا صَادِرَةٌ عَنِ الْمُنْعِمِ وَقَوْلُهُ وَآيَةً مِنْكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِ هَذِهِ الْمَائِدَةِ دَلِيلًا لِأَصْحَابِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَقَوْلُهُ وَارْزُقْنا إِشَارَةٌ إِلَى حِصَّةِ النَّفْسِ وَكُلُّ ذَلِكَ نُزُولٌ مِنْ حَضْرَةِ الْجَلَالِ. فَانْظُرْ كَيْفَ ابْتَدَأَ بِالْأَشْرَفِ فَالْأَشْرَفِ نَازِلًا إِلَى الْأَدْوَنِ فَالْأَدْوَنِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَهُوَ عُرُوجٌ مَرَّةً أُخْرَى مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْخَالِقِ وَمِنْ غَيْرِ اللَّه إِلَى اللَّه وَمِنَ الْأَخَسِّ إِلَى الْأَشْرَفِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَلُوحُ لَكَ شَمَّةٌ مِنْ كَيْفِيَّةِ عُرُوجِ الْأَرْوَاحِ الْمُشْرِقَةِ النُّورَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَنُزُولِهَا اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قِرَاءَةِ زَيْدٍ يَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَالتَّأْنِيثُ بمعنى الآية. ثم قال تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ١١٥]
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)
فيه مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَنَافِعٌ مُنَزِّلُها بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُمَا لُغَتَانِ نَزَلَ وَأَنْزَلَ وَقِيلَ: بِالتَّشْدِيدِ أَيْ مُنَزِّلُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَبِالتَّخْفِيفِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قوله فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ أَيْ بَعْدَ إِنْزَالِ الْمَائِدَةِ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مَسْخَهُمْ خَنَازِيرَ وَقِيلَ: قِرَدَةً وَقِيلَ: جِنْسًا مِنَ الْعَذَابِ لَا يُعَذَّبُ بِهِ غَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَذَابُ مُعَجَّلًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَخَّرًا إِلَى الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ مِنَ الْعالَمِينَ يَعْنِي عَالَمِي زَمَانِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا السُّؤَالَ عِنْدَ نُزُولِهِمْ فِي مَفَازَةٍ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَا طَعَامٍ وَلِذَلِكَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ سَأَلَ الْمَائِدَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ سَأَلَهَا لِقَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ فِي الظَّاهِرِ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ. فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: مَا نَزَلَتْ وَاحْتَجُّوا/ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ اسْتَغْفَرُوا وَقَالُوا لَا نُرِيدُهَا. والثاني: أنه وصف المائدة بكونها عيدا لأولهم وآخرهم فلو نزلت لَبَقِيَ ذَلِكَ الْعِيدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وَهَذَا وَعْدٌ بِالْإِنْزَالِ جَزْمًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَرْطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُ هَذَا النُّزُولِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ قَوْلَهُ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِهِ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّ يَوْمَ نُزُولِهَا كَانَ عِيدًا لَهُمْ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى شَرْعِهِمْ

صفحة رقم 464
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية