آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فلا يخفى عليه ما أضمره كل واحد ممن أخذ عليه الميثاق من نية الوفاء به أو عدم الوفاء، وما تنطوى عليه السرائر من الإخلاص أو الرياء.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)
تفسير المفردات
القوّام بالشيء: هو القائم به حق القيام، شهداء بالقسط: أي شهداء بالعدل بلا محاباة، ولا يجرمنكم. أي ولا يحملنكم، والشنآن: العداوة والبغضاء، الخبير: العالم بالشيء على وجه الدقة والضبط، والجحيم: النار العظيمة، وهى هنا دار العذاب وأصحابها هم ملازموها، بسط إليه يده: بطش به، وبسط إليه لسانه: شتمه، والتقوى: هى اتقاء عقاب الله وسخطه بترك معاصيه.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه عباده بالوفاء بالعقود عامة، ثم امتن عليهم بإباحة كثير من الطيبات لهم وتحريم ما يضرهم من الطعام إلا فى حال الضرورة، ثم ذكر حل طعام

صفحة رقم 67

أهل الكتاب ونسائهم إذا كن محصنات، ثم أمرهم بالطهارة مع رفع الحرج عنهم- ذكر هنا ما ينبغى أن يكون من معاملتهم سواهم سواء أكانوا أعداء أم أولياء، ثم ذكر وعده لعباده الذين يعملون الصالحات ووعيده لمن كفر وكذب بالآيات، وختمها بذكر المنة الشاملة، والنعمة الكاملة، إذ أنقذهم من أعدائهم وأظهرهم عليهم، وكانوا على وشك الإيقاع بهم، ولكن رحمهم وكبت أعداءهم وردّهم صاغرين، ليكون الشكر أتم، والوفاء ألزم.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) أي ليكن من دأبكم وعادتكم القيام بالحق فى أنفسكم بالإخلاص لله فى كل ما تعملونه من أمر دينكم وأمر دنياكم، بأن تريدوا بعملكم الخير والتزام الحق بدون اعتداء على أحد، وفى غيركم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ابتغاء مرضاة الله.
(شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) الشهادة هنا عبارة عن إظهار الحق للحاكم ليحكم به، أو إظهاره هو له بالحكم به أو الإقرار به لصاحبه، وفى كل حال تكون بالعدل بلا محاباة لمشهود له ولا لمشهود عليه، لأجل قرابة أو مال أو جاه، ولا تركه لفقر أو مسكنة.
فالعدل هو ميزان الحقوق، إذ متى وقع الجور فى أمة لأى سبب زالت الثقة من الناس وانتشرت المفاسد، وتقطعت روابط المجتمع، فلا يلبث أن يسلط الله عليهم بعض عباده الذين هم أقرب منهم إلى العدل فيذيقوهم الوبال والنكال، وتلك سنة الله فى حاضر الأمم وغابرها، ولكن الناس لا يعتبرون.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أي ولا تحملنكم العداوة والبغضاء لقوم على عدم العدل فى أمرهم بالشهادة لهم بحقهم إذا كانوا أصحاب حق، أو الحكم لهم بذلك فالمؤمن يؤثر العدل على الجور والمحاباة، ويجعله فوق الأهواء وحظوظ الأنفس وفوق المحبة والعداوة مهما كان سببهما.

صفحة رقم 68

(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) هذه الجملة توكيد للجملة السالفة للعناية بأمر العدل وأنه فريضة لا هوادة فيها، لأنه أقرب لتقوى الله والبعد عن سخطه. وتركه من أكبر المعاصي، لما ينشأ عنه من المفاسد التي تقوّض نظم المجتمعات، وتقطع الروابط بين الأفراد، وتجعل بأسهم بينهم شديدا.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي واتقوا سخطه وعقابه لأنه لا يخفى عليه شىء من أعمالكم ظاهرها وباطنها، واحذروا أن يجازيكم بالعدل على ترككم للعدل، وقد مضت سنته فى خلقه بأن يجعل جزاء ترك العدل فى الدنيا الذلة والمهانة للأمم والأفراد، وفى الآخرة الخزي يوم الحساب.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الأعمال التي يصلح بها أمر العباد فى أنفسهم وفى روابطهم الاجتماعية، ومن أهمها العدل فيما بينهم وتقوى الله فى جميع أحوالهم.
ثم بين سبحانه ما وعدهم به بعد أن ذكره أوّلا مجملا لتتوجه النفس للسؤال عنه حتى إذا جاء تأكد فى النفس وتقرر هذا الوعد فقال:
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المغفرة الستر، والإيمان والعمل الصالح يستران ويمحوان من النفس ما يكون فيها من سوء أثر الأعمال السالفة فيغلب عليها حب الحق والخير وتكون أهلا للوصول إلى عالم القدس والطهر، والأجر العظيم هو الجزاء المضاعف على الإيمان والعمل الصالح فضلا من الله ورحمة من لدنه.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) الكفر هنا هو الكفر بالله ورسله، لا فارق فى ذلك بين كفر بالجميع وكفر بالبعض.
وآيات الله قسمان آياته المنزلة على رسله وآياتها التي أقامها فى الأنفس والآفاق للدلالة على وحدانيته وكماله وقدرته وإرادته، وعلى صدق رسله فيما يبلغون عنه، والجحيم النار العظيمة كما قال تعالى حكاية عن قوم إبراهيم «قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ»

صفحة رقم 69

أي إن هؤلاء الكفار المكذبين سيصلون العذاب فى نار عظيمة أعدها الله لمن كفر وكذب بآياته، لأن نفوسهم قد فسدت، وسوء أعمالهم قد ران على قلوبهم، فأصبحوا صمّا عميا لا يبصرون.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ».
روى من طرق عدة أن الآية نزلت فى رجل من قبيلة محارب همّ بقتل النبي ﷺ أرسله قومه لذلك وكان بيده سيف وليس مع النبي ﷺ سلاح وكان منفردا.
روى الحاكم من حديث جابر قال: «قام على رأس رسول الله ﷺ وقال: من يمنعك؟ قال الله، فوقع السيف من يده فأخذه النبي ﷺ وقال: من يمنعك؟ قال كن خير آخذ، قال تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله قال: أعاهدك ألا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلّى سبيله، فجاء إلى قومه وقال جئتكم من عند خير الناس».
وفى رواية أخرى «إن السيف الذي كان بيد الأعرابى كان سيف النبي ﷺ علّقه فى شجرة وقت الراحة، فأخذه الرجل وجعل يهزه ويهم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سقط من يده فأخذه رسول الله ﷺ وقال من يمنعك منى؟ قال لا أحد، ثم صاح رسول الله ﷺ بأصحابه فأخبرهم وأبى أن يعاقبه».
وعلى هذا فالمراد تذكيرهم بنعمة الله عليهم بدفع الشر والمكروه عن نبيهم، فإنه لو حصل ذلك لكان من المحن الكبرى التي تصيب المسلمين.
وقيل إن المراد تذكيرهم بما أنعم الله عليهم من قوة الإسلام وعظمة شوكة المسلمين، فبعد أن كانوا أذلاء مغلوبين على أمرهم بدّل الله الحال غير الحال وأصبحوا أعزة بعد الذلة وغالبين بعد أن كانوا مقهورين، فهو سبحانه يذكر المسلمين بوقائع الاعتداء كلها

صفحة رقم 70

سواء فى ذلك حادثة المحاربي وأمثالها، لأن حفظه لأولئك السلف هو حفظه لذلك الدين القويم، فالنبى ﷺ قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأصحابه هم الذين تلقوها عنه وأدّوها لمن بعدهم قولا وعملا.
ومن فوائد هذا التذكير للمتأخر ترغيبه فى التأسى بالسلف فى القيام بما جاء به الدين من الحق والعدل والبر.
ومعنى قوله: إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم، أي شارفوا أن يمدوا أيديهم إليكم بصنوف البلاء من قتل ونهب فكفّ الله تعالى بلطفه ورحمته أيديهم عنكم فلم يستطيعوا تنفيذ ما همّوا به.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي واتقوا الله الذي أراكم قدرته على أعدائكم وقت ضعفكم وقوتهم، وتوكلوا عليه وحده فقد أراكم عنايته بمن يكلون أمورهم إليه بعد مراعاة سننه والسير عليها في اتقاء كل ما يخشى ضره وتسوء عاقبته، لا على أوليائكم وحلفائكم، لأن الأولياء قد تنقطع بهم الأسباب ويجيبون داعى اليأس إذا اشتد البأس، والحلفاء قد يغدرون كما غدر بنو النضير وغيرهم، ولكن المؤمن المتوكل على الله إذا همّ أن ييأس تذكر أن الله وليه وهو الذي بيده ملكوت كل شىء، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، فتتجدد قوته ويفرّ منه اليأس فينصره الله ويخذل أعداءه كما حدث لأولئك الكملة المتوكلين مع سيد المرسلين أيام ضعفهم وقلتهم وفقرهم وتألب الناس كلهم عليهم.

صفحة رقم 71
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية