آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه، وبسط لعذره. وعنه: ليس هذا زمان تأويلها. قيل: فمتى؟ قال: إذا جعل دونها السيف والسوط والسجن. وعن أبى ثعلبة الخشني أنه سئل عن ذلك فقال للسائل: سألت عنها خبيرا. سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنها فقال: ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا ما رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك نفسك ودع أمر العوام. وإنّ من ورائكم أياما الصبر فيهنّ كقبض على الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله «١». وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفهت آباءك، ولاموه، فنزلت (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) عليكم: من أسماء الفعل، بمعنى: الزموا إصلاح أنفسكم، ولذلك جزم جوابه. وعن نافع: عليكم أنفسكم، بالرفع. وقرئ (لا يَضُرُّكُمْ) وفيه وجهان «٢» أن يكون خبراً مرفوعا وتنصره قراءة أبى حيوة، لا يضيركم. وأن يكون جواباً للأمر مجزوماً. وإنما ضمت الراء اتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة. والأصل: لا يضروكم. ويجوز أن يكون نهيا، ولا يضركم، بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)

(١). أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي من رواية عبد اللَّه بن المبارك عن عتبة بن أبى حكيم عن عمرو بن حارثة اللخمي عن أبى أمية الصنعاني قال «أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت:
قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الآية قال: أما واللَّه لقد سألت عنها خبيراً سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر- وذكره: وقال فيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام- وقال في آخره: مثل عملكم»
قال ابن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل يا رسول اللَّه أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: لا، بل منكم» وأخرجه ابن حبان والحاكم وإسحاق وأبو يعلى والطبراني. [.....]
(٢). قوله «لا يضركم، وفيه وجهان» يعنى بالرفع، وهو يفيد أن القراءة الأصلية بالنصب. (ع)

صفحة رقم 686

ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدإ الذي هو شَهادَةُ بَيْنِكُمْ على تقدير: شهادة بينكم شهادة اثنين. أو على أنه فاعل شهادة بينكم على معنى: فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان: وقرأ الشعبي.
شهادة بينكم بالتنوين. وقرأ الحسن: شهادة، بالنصب والتنوين على: ليقم شهادة اثنان. وإِذا حَضَرَ ظرف للشهادة. وحِينَ الْوَصِيَّةِ بدل منه، إبداله منه دليل على وجوب الوصية، وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلم ويذهل عنها. وحضور الموت: مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل مِنْكُمْ من أقاربكم. ومِنْ غَيْرِكُمْ من الأجانب إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ يعنى إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية، جعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح «١» وهم له أنصح. وقيل مِنْكُمْ من المسلمين، ومِنْ غَيْرِكُمْ من أهل الذمة. وقيل: هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم، وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر. وعن مكحول: نسخها قوله تعالى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وروى أنه خرج بديل بن أبى مريم مولى عمرو بن العاصي وكان من المهاجرين، مع عدى بن زيد وتميم بن أوس- وكانا نصرانيين- تجاراً إلى الشام، فمرض بديل وكتب كتاباً فيه ما معه، وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه، وأمرهما أن يدفعاً متاعه إلى أهله، ومات ففتشا متاعه، فأخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشاً بالذهب، فغيباه، فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء، فجحدا فرفعوهما إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «٢»، فنزلت تَحْبِسُونَهُما تقفونهما وتصبرونهما للحلف «٣» مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ من بعد صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس. وعن الحسن: بعد صلاة العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما. وفي حديث بديل: أنها لما نزلت صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم

(١). قوله «وبما هو أصلح» لعله «وبما هو له أصلح». (ع)
(٢). أخرجه الترمذي من رواية ابن إسحاق عن أبى النضر وهو محمد بن السائب الكلبي عن بادار، يعنى أبا صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري رضى اللَّه عنهم. فذكره وقال: ليس إسناده بصحيح وأخرجه البخاري وأبو داود مختصراً
(٣). قوله «وتصبرونهما للحلف» أى تحبسونهما. أفاده الصحاح. (ع)

صفحة رقم 687

صلاة العصر ودعا بعدىّ وتميم فاستحلفهما عند المنبر، فحلفا، ثم وجد الإناء بمكة، فقالوا:
إنا اشتريناه من تميم وعدى. وقيل: هي صلاة أهل الذمّة، وهم يعظمون صلاة العصر إِنِ ارْتَبْتُمْ اعتراض بين القسم والمقسم عليه. والمعنى: إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما. وقيل: إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين، وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما. وعن علىّ رضى اللَّه عنه: أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما «١» والضمير في مُصِيبَةُ للقسم. وفي كانَ للمقسم له يعنى: لا نستبدل بصحة القسم باللَّه عرضاً من الدنيا، أى لا نحلف كاذبين لأجل المال، ولو كان من نقسم له قريباً منا، على معنى: أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبداً، وأنهم داخلون تحت قوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ). شَهادَةَ اللَّهِ أى الشهادة التي أمر اللَّه بحفظها وتعظيمها. وعن الشعبي أنه وقف على شهادة، ثم ابتدأ اللَّه بالمدّ، على طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه. وروى عنه بغير مدّ على ما ذكر سيبويه أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام، فيقول: اللَّه لقد كان كذا.
وقرئ: لملاثمين بحذف الهمزة وطرح حركتها على اللام وإدغام نون من فيها، كقوله: عاد لولى: فإن قلت: ما موقع تحبسونهما؟ قلت: هو استئناف كلام، كأنه قيل بعد اشتراط العدالة فيهما، فكيف نعمل إن ارتبنا بهما، فقيل: تحبسونهما فإن قلت: كيف فسرت الصلاة بصلاة العصر وهي مطلقة؟ قلت: لما كانت معروفة عندهم بالتحليف بعدها، أغنى ذلك عن التقييد، كما لو قلت في بعض أئمة الفقه: إذا صلى أخذ في الدرس علم أنها صلاة الفجر. ويجوز أن تكون اللام للجنس، وأن يقصد بالتحليف على أثر الصلاة أن تكون الصلاة لطفاً في النطق بالصدق، وناهية عن الكذب والزور (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ). فَإِنْ عُثِرَ فإن اطلع عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أى فعلا مّا أوجب إثما، واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين فَآخَرانِ فشاهدان آخران يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ أى من الذين استحق عليهم الإثم. معناه من الذين جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته. وفي قصة بديل: أنه لما ظهرت خيانة الرجلين، حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما، وأنّ شهادتهما أحق من شهادتهما. والْأَوْلَيانِ الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما. وارتفاعهما على: هما الأوليان كأنه قيل ومن هما؟ فقيل: الأوليان. وقيل: هما بدل من الضمير في يقومان، أو من آخران.

(١). فأما تحليف الشاهد. فلم أره. وأما تحليف الراوي فرواه أصحاب السنن الثلاثة: البزار وابن حبان من رواية اسماء بن الحكم الفزاري عن على رضى اللَّه عنه قال «إذا سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حديثا نفعني اللَّه منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته قال: وحدثني أبو بكر- وصدق أبو بكر- الحديث» قال الترمذي: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وروى بعضهم هذا الحديث موقوفا» أى المتن دون القصة. وقال البزار: أسماء هذا مجهول.

صفحة رقم 688
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية