
وقوله: (قَد سَأَلَهَا) نبه على وجهين:
أحدهما: أنه استخبار، إشارة إلى نحو قوله لأصحاب البقرة حيث سألوا عن أوصافها، فعلى هذا لا فرق بين قوله: (قَد سَأَلَهَا) وبين قوله: قد سأل عنها.
والثاني: أنه استعطاف إشارة إلى نحو المستنزلين للمائدة من عيسى عليه الصلاة والسلام، والسائلين من صالح عليه الصلاة والسلام الناقة، فعلى هذا لا يصح أن يقال سأل عنها،
وقوله: (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) أي كفروا ولم يعترفوا،
أو يعني كفروا تشبيها.
قوله عز وجل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣)
الجُعْلُ عام فيما يكون قولاً وحكماً، وفيما يكون عملاً وصنعاً،
ويكون تارة بمعنى صار، ولا يتعدى كقولك جعل فلان يقول كذا،
وتارة بمعنى صيَّر، ويتعدى إلى مفعولين كقولك: - جعلتُ الطين خزفاً، وجعلت زيداً عدلا، أي حكمت بذلك،
وتارة بمعنى فعل، ويتعدى إلى مفعول واحد، وعلى ذلك هذه الآية،
وجعل بالجُعْل هو الحكم لإيجاد العين، فإن الله تعالى موجد هذه الأعيان، ولكنه غير حاكم فيها

بأحكامهم. فبين أن الله تعالى ما حكم بهذه الأحكام، ولكن الذين كفروا
حكموا بذلك، وحكمهم بذلك لافترائهم على الله، وافترائهم على الله من حيث أن أكثرهم لا يعقلون، فجعل علة حكمهم بذلك افتراءهم على الله، وجعل علة افترائهم على الله كون أكثرهم لا يعقلون.
إن قيل لما خص أكثرهم أنهم لا يعقلون؟
قيل: إنه إشارة بذلك إلى ديانتهم المقلدة دون الذين علموا بطلان
فعلهم لكن يمنعهم لرئاستهم أن يقلعوا عن ذلك مع معرفتهم ببطلانه.
ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أماثلهم الذين يتبعون العقل وإن كانوا يعلمون ببطلان ما يفعلون.
البحيرة: - الناقة المشقوقة الأُذن، وهي كل ناقة نتجت خمسة
أبطن من كانت الخلقة أنثى شقوا أذفا فلا يُجَزُّ لها وبر، ولا يذكر اسم الله
عليها إن ذكيت، وحُرم على النساء لبنها، وإن ماتت اشتركت الرجال والنسل في أكلها.
والسائبة: المسيبة وكان أحدهم ينذر، لأنه يخلص بناقته