
وبإسناده عن النسائي قال: [حدّثنا]، قتيبة بن سعيد عن يعقوب وهو ابن عبد الرحمن بن عمرو عن المطلب عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو صيد لكم» «١» [١١٩].
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. الآية.
قال ابن عباس: كانوا يتغادرون ويتقاتلون فأنزل الله جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ.
قال مجاهد: سميت كعبة مربع والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة.
وقال مقاتل: سميت كعبة لانفرادها من البنيان.
قال أهل اللغة: أصلها من الخروج والارتفاع وسمّي الكعب كعبا لخروجه من جانبي القدم، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرجت ثدياها: قد تكعبت، فسميت الكعبة كعبة لارتفاعها من الأرض، وثباتها على الموضع الرفيع، وسميت البيت الحرام لأن الله حرّمه وعظم حرمته.
وفي الحديث: «مكتوب في أسفل المقام: إني أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض. ويوم وضعت هذين الجبلين وحففتهما بسبعة أملاك حفا من جاءني زائرا لهذا البيت عارفا بحقه مذعنا لي بالربوبية حرّمت جسده على النار».
قِياماً لِلنَّاسِ أي قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم وصلاحا لمعاشهم ومعادهم لما
.

يحصل لهم من الحج والعمرة والزيارة والتجارة وما يجبى إليه من الثمرات ويظهر فيه من أنواع البركات.
فقال ابن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة أصابه وَالشَّهْرَ الْحَرامَ أراد به الأشهر الحرم يأمن فيها الناس وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الآية.
اعترض على هذه الآية وقيل: كيف يليق أول الآية بآخرها؟ فالجواب أن مجاز الآية إن الله يعلم صلاح الناس كما يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الآية اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الآيتين قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ يعني الحلال والحرام.
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ نزلت في شرح بن صبيعة وحجاج بكر بن وائل فَاتَّقُوا اللَّهَ ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين.
وقد مضت القصة في أول السورة يا أُولِي الْأَلْبابِ الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ الآية، اختلفوا في نزولها،
فروى الزهري وقتادة عن أنس وأبو صالح عن أبي هريرة قالا: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى ألحّوا بالمسألة فقام مغضبا خطيبا وقال: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا لآتيته لكم، فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يكون بين يدي أمر قد مضى، قال أنس: فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلّا وجدت رجلا لافا رأسه في ثوبه يبكي، فقام إليه رجل من قريش من بني تميم يقال له عبد الله بن حذافة: وكان يطعن في نسبه وكان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبو حذافة بن قيس».
قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدا بأعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤس الناس.
فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته، فقام إليه رجل آخر فقال: يا رسول الله أين أنا؟
قال: في النار.
فقام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقبل رجل رسول الله وقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما، إنا يا رسول الله حديثو عهد بالجاهلية والشرك فاعف عنا عفى الله عنك فسكن غضبه وقال: «أما والذي نفسي بيده لقد صورت لي الجنة والنار أنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر» «١».
وقال ابن عباس: كانوا قوم يسألون رسول الله (عليه السلام) امتحانا بأمره، واستهزاء به، فيقول له بعضهم من أبي؟ ويقول الآخر: أين أنا؟ ويقول الآخر إذا خلت ناقته: أين ناقتي؟
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
.

وقال علي وأبو أمامة الباهلي: خطب بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال: «إن الله كتب عليكم الحج». فقام رجل من بني أسد يقال له عكاشة بن محسن فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟
فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا، فقال (عليه السلام) :«ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت، ولو أوجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني كما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» «١» [١٢٠].
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية حين قالوا لرسول الله عن البحيرة والسائبة ألا ترى يقول بعد ذلك ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ الآية وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ تسؤكم لأن القرآن إنما ينزل بإلزام فرض فيشق عليكم أو شيء كان حلالا لكم عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ كما سألت ثمود صالحا الناقة، وقوم عيسى المائدة ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ فأهلكوا.
روى مكحول الشامي عن أبي ثعلبة الخشني قال: إن الله فرض فرائض فلا تسبقوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحدّ حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
ما جَعَلَ اللَّهُ ما أنزل الله ولا من الله ولا أمر به نظيره قوله إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «٢» أي أنزلناه، مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ.
وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التميمي عن أبي صالح السمّان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأكتم بن الجون: يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا بك منه، وذلك إنه أول من غيّر دين إسماعيل ونصب الأوثان، ونحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، ولقد رأيت في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه» [١٢١] فقال أكثم: تخش أن يضرني شبهه يا رسول الله، قال: «لا أنت مؤمن وهو كافر» «٣».
قال: وذلك أن الناقة إذا تابعت ثنتي عشرة إناثا سيبت فلم يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلّا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم يخلى سبيلها مع إنها في الإبل يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلّا ضيف كما فعل بأمها وهي البحيرة بنت السائبة.
وقال ابن عباس: على إنهم كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن نظروا في البطن الخامس،
. (٢) سورة الزخرف: ٣
. (٣) تفسير الطبري: ٧/ ١١٧، وتفسير ابن كثير ٢/ ١١١
.