
وهو البدن، لأن الثواب فيه أكثر، وبهاء الحج معه أظهر ذلِكَ إشارة إلى جعل الكعبة قياماً للناس، أو إلى ما ذكر من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كل شيء وهو عالم بما يصلحكم وما ينعشكم مما أمركم به وكلفكم شَدِيدُ الْعِقابِ لمن انتهك محارمه غَفُورٌ رَحِيمٌ لمن حافظ عليها.
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٩]
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩)
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ تشديد في إيجاب القيام بما أمر به، وأن الرسول قد فرغ مما وجب عليه من التبليغ، وقامت عليكم الحجة، ولزمتكم الطاعة، فلا عذر لكم في التفريط.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٠]
قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)
البون بين الخبيث والطيب بعيد عند اللَّه تعالى «١» وإن كان قريبا عندكم، فلا تعجبوا بكثرة الخبيث حتى تؤثروه لكثرته على القليل الطيب، فإنّ ما تتوهمونه في الكثرة من الفضل، لا يوازى النقصان في الخبيث، وفوات الطيب، وهو عام في حلال المال وحرامه، وصالح العمل وطالحه، وصحيح المذاهب وفاسدها، وجيد الناس ورديهم فَاتَّقُوا اللَّهَ وآثروا الطيب، وإن قل، على الخبيث وإن كثر. ومن حق هذه الآية أن تكفح بها وجوه المجبرة «٢» إذا افتخروا بالكثرة كما قيل:
ومن هم المعتزلة حتى يترامى طمعهم على هذا الحد؟ وهذا الاستنباط الذي استنبطه الزمخشري من أن المراد بالطيب هذا النفر المعتزلي. من قبيل القول بأن المراد في قوله تعالى: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) أهل الحديث وأصحاب الرأى، يعنى الحقيقة. وقد أغلظ في تفسير هذه الآية على من قال ذلك وعده من البدع، وما هو قد ابتدع قريبا منه في حمله الطيب في هذه الآية على الفريق المعتزلي، بل واللَّه شراً من تلك المقالة، لأنه حمل الخبيث على من عداهم من الطوائف السنية، نعوذ باللَّه من ذلك، ونبرأ من تجريه على السلف والخلف.
(٢). قوله «أن تكفح بها وجوه المجبرة» يعنى أهل السنة. وهذا غلو من العلامة في التعصب للمعتزلة، وما كان ينبغي أن يكون منه، لعدم الداعي إليه هنا. (ع)