آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

رِوَايَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سعيد بن المسيب أن عليا كره أكل لَحْمَ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَقَالَ مالك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي رِوَايَةٍ وَالْجُمْهُورُ: إِنْ كَانَ الْحَلَالُ قَدْ قَصَدَ الْمُحْرِمَ بِذَلِكَ الصَّيْدِ لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحَشِيًا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ، قَالُوا: فَوَجْهُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا صَادَهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَرَدَّهُ لِذَلِكَ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِالِاصْطِيَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي قتادة حين صاد حمار وحش، وكان حَلَالًا لَمْ يُحْرِمْ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ مُحْرِمِينَ، فَتَوَقَّفُوا فِي أَكْلِهِ ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «هَلْ كَانَ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَشَارَ إِلَيْهَا أَوْ أَعَانَ فِي قَتْلِهَا؟» قَالُوا: لَا. قَالَ «فَكُلُوا» وَأَكَلَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ ثَابِتَةٌ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ»
: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ» قَالَ سَعِيدٌ- «وَأَنْتُمْ حُرُمٌ- مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ»، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُ لِلْمُطَّلِبِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ مَوْلَاهُ الْمُطَّلِبِ، عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْيَسُ. وقال مالك «٢» رضي الله عنه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانَ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كلوا، فقالوا: أو لا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صيد من أجلي «٣».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٢]
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)

(١) مسند أحمد ٣/ ٣٦٢.
(٢) موطأ مالك (حج حديث ٨٤).
(٣) لم يكمل الحافظ ابن كثير تفسير الآيات ٩٧، ٩٨، ٩٩. فانظر تفسير الطبري ٥/ ٧٣- ٨٠. [.....]

صفحة رقم 182

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ أَيْ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يَعْنِي أَنَّ الْقَلِيلَ الْحَلَالَ النَّافِعَ خَيْرٌ مِنَ الْكَثِيرِ الْحَرَامِ الضَّارِّ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى» وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ» فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ أَيْ يَا ذَوِي الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَتَجَنَّبُوا الْحَرَامَ وَدَعُوهُ وَاقْنَعُوا بِالْحَلَالِ وَاكْتَفُوا بِهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَهْيٌ لَهُمْ عَنْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي السُّؤَالِ وَالتَّنْقِيبِ عَنْهَا، لِأَنَّهَا إِنْ أُظْهِرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْأُمُورُ رُبَّمَا سَاءَتْهُمْ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ سَمَاعُهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» «١».
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبة ما سمعت مثلها قط، وقال فيها «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ حَنِينٌ «٣»، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ «فَلَانٌ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ رَوَاهُ النَّضْرُ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الْآيَةَ، قَالَ: فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سَأَلُوهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ذَاتَ يوم فصعد المنبر، فقال «لا تسألوني الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ» فَأَشْفَقَ أصحاب رسول الله ﷺ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ، فَجَعَلْتُ لَا أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا وَجَدْتُ كُلًّا لَافًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ يُلَاحَى فَيُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قال «أبوك حذافة». قال:

(١) مسند أحمد ١/ ٣٩٦ وسنن أبي داود (أدب باب ٢٨).
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة المائدة باب ١١).
(٣) في البخاري: «خنين» بالخاء المعجمة. والخنين: نوع من البكاء دون الانتحاب. وهو خروج الصوت من الأنف.
(٤) تفسير الطبري ٥/ ٨٢.

صفحة رقم 183

ثُمَّ قَامَ عُمَرُ- أَوْ قَالَ: فَأَنْشَأَ عُمَرُ- فقال: رَضِينَا بِاللَّهِ رِبَّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا عَائِذًا بِاللَّهِ- أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ- قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ أَرَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ»، أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ وَلَدًا أَعَقَّ مِنْكَ قَطُّ، أَكُنْتَ تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ مَا قَارَفَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَفْضَحُهَا عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَضْبَانُ، مُحْمَارٌّ وَجْهُهُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ أَبِي؟ قال: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟
فَقَالَ «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، إِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا. قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الْآيَةَ، إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُرْسَلَةً غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ أَسْبَاطٌ عَنِ السدي أنه قال فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قَالَ: غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ «سَلُونِي فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأَتُكُمْ بِهِ» فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، وَكَانَ يُطْعَنُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوكَ فَلَانٌ، فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَبَّلَ رِجْلَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِكَ نَبِيًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ فَيَوْمَئِذٍ قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ كُلِّهَا، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت، فقالوا:

(١) تفسير الطبري ٥/ ٨٣.
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة المائدة باب ١١).
(٣) مسند أحمد ١/ ١١٣.

صفحة رقم 184

أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، قَالَ: ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَقَالَ «لَا»، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لم استطعتم فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الْآيَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ وَرْدَانَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ» فَقَالَ رَجُلٌ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى عَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ «مَنِ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: فُلَانٌ، فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ مَا أَطَقْتُمُوهُ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: فَقَامَ مِحْصَنُ الْأَسَدِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيُّ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» أَيْضًا: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الغمر، حدثنا ابن مُطِيعٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: فَغَلَقَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسْكَتَ، وأغضب وَاسْتَغْضَبَ، وَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ «مَنِ السَّائِلُ؟» فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:
أَنَا ذَا، فَقَالَ «وَيْحَكَ مَاذَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ؟ وَاللَّهِ لَوْ قَلَتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ، أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ، وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِعَ خُفٍّ، لَوَقَعْتُمْ فِيهِ» قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِنْدَ ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.
فِي إِسْنَادِهِ ضَعُفٌ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا عَلِمَ بِهَا الشَّخْصُ سَاءَتْهُ، فَالْأَوْلَى الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَتَرَكُهَا، وَمَا أَحْسَنَ الْحَدِيثُ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ بْنَ يُونُسَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ مَوْلَى الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أي أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْوَلِيدِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عن إسرائيل عن

(١) تفسير الطبري ٥/ ٨٣.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٨٤.
(٣) مسند أحمد ١/ ٣٩٥- ٣٩٦.

صفحة رقم 185

السُّدِّيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وقوله تعالى: وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ أَيْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نُهِيتُمْ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهَا حِينَ يَنْزِلُ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تُبَيَّنُ لَكُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، ثُمَّ قَالَ عَفَا اللَّهُ عَنْها أَيْ عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ. وَقِيلَ:
المراد بقوله وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ أَيْ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ تَسْتَأْنِفُونَ السُّؤَالَ عَنْهَا، فَلَعَلَّهُ قَدْ يَنْزِلُ بِسَبَبِ سُؤَالِكُمْ تَشْدِيدٌ أَوْ تَضْيِيقٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها، تبيت لكم حينئذ لِاحْتِيَاجِكُمْ إِلَيْهَا، عَفَا اللَّهُ عَنْها أَيْ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ، فَاسْكُتُوا أَنْتُمْ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ عَنْهَا، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال «ذروني ما تركتكم، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» «١» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا «إن الله تعالى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عنها».
ثم قال تعالى: قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ أَيْ قَدْ سَأَلَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ فَأُجِيبُوا عَنْهَا، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ أي بسببها، أي بيّنت لهم فلم يَنْتَفِعُوا بِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا عَلَى وَجْهِ الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد.
وقال العوفي: عن ابن عباس في الآية: أن رسول الله ﷺ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فَقَالَ «يَا قَوْمِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَأُغْضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وإذًا لَكَفَرْتُمْ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عنه» فأنزل هذه الآية، نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْلِ الَّذِي سَأَلَتِ عنه النَّصَارَى مِنَ الْمَائِدَةِ، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا، فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِنَّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢».
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحَجِّ، نَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَامًا

(١) مسند أحمد ٢/ ٢٤٧.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٨٤.

صفحة رقم 186
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية