آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

قال: ﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى [الدين كُلِّهِ]﴾.
يعني: محمداً ﷺ أرسله بالرشد إلى الصراط المستقيم، وبالدين القوي الحق وهو الإسلام ليظهره على الدين كله، ليبطل به الملل كلها، فلا يكون دين إلا دينه، وذلك أمر سيكون عند نزول عيسى ﷺ.
وقيل: إنه كان هذا إعلان النبي ﷺ قد قهر أهل الأديان كلها في وقته، وفي خلافة أبي بكر وعمر.
وقال ابن عباس معناه: ليظهره على أمر الدين كله.
ثم قال: ﴿وكفى بالله شَهِيداً﴾ أي: كفى به شهيداً على نفسه أنه سيظهرك على أمر الدين الذي بعثك به. هذا قول الحسن، وهو اختيار الطبري. ففي هذا إعلام من الله لنبيه عليه السلام أنه سيفتح مكة وغيرها من البلدان.
قال: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ أي: وأتباعه من أصحابه هم أشداء على الكفار، أي: ذوو غلظة عليهم وشدة وذوو رحمة فيما بينهم يرحم بعضهم بعضاً ويغلظون على الكفار عداوة في الله.
قال قتادة: ألقى الله في قلوبهم الرحمة لبعضهم من بعض.
ثم قال: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً﴾.

صفحة رقم 6974

أي: ترى أصحاب محمد تارة ركعاً وتارة سجداً يلتمسون بذلك من فعلهم في ركوعهم وسجودهم وغلظتهم على الكفار، ورحمة بعضهم لبعض فضلاً من الله / أن يدخلهم في رحمته ويرضى عنهم.
ثم قال: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود﴾.
قال ابن عباس معناه: أثر صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
قال عطية: مواضع السجود في وجوههم يوم القيامة أشد بياضاً من اللبن وهو قول مقاتل.
قال الحسن: هو بياض في وجوههم يوم القيامة، وعنه هو بياض في

صفحة رقم 6975

وجوههم، وعن ابن عباس: أن ذلك في الدنيا وهو السمت الحسن.
وقال مجاهد: أما أنه ليس الذي ترون، ولكنه سيماء الإسلام، وسمته وخشوعه وتواضعه.
وقال الحسن: هو الصفرة التي تعلو الوجه من السهر والتعب، وهو قول ابن عطية.
وقال ابن جبير وعكرمة: هو أثر التراب (وأثر الطهور).
وقال ابن وهب: أخبرني مالك أنه ما يتعلق بالجبهة من تراب الأرض.

صفحة رقم 6976

ورواه مطرف عن مالك أيضاً.
وأصل السيمي: العلامة.
ثم قال: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة﴾.
أي: هذا الذي تقدم من صفاتهم ونعتهم في التوراة.
ثم قال: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فاستغلظ فاستوى على سُوقِهِ﴾.
أي: وصف أصحاب محمد في الإنجيل ونعتهم فيه كزرع أخرج شطئه، أي: فراخه.
يقال: أَشْطَأَ الزَّرْعُ يُشْطِيءُ أَشْطاً: إِذا أَفْرَخَ.
فشبههم الله في الإنجيل بالزرع الذي أخرج فراخه، وذلك أنهم في أول

صفحة رقم 6977

دخولهم الإسلام كانوا عدداً قليلاً / كالزرع في أول ما يخرج، ثم جعلوا يتزايدون ويكثرون، كالزرع إذا أخرج فراخه فكثر وعظم بها، ونما، فيكون الأصل ثلاثين وأربعين وأكثر بالفراخ فكذلك أصحاب النبي ﷺ كانوا قليلاً ثم تزايدوا وكثروا فكانت هذه صفتهم في التوراة والإنجيل من قبل أن يخلق الله السماوات والأرض فكان مثلهم في التوراة غير مثلهم في الإنجيل، هذا قول أكثر المفسرين، وهو اختيار الطبري، وروى عن مجاهد أنه قال: المثلان منصوصان فيهم في التوراة والإنجيل.
قوله: ﴿فَآزَرَهُ﴾ أي: قواه، يعني فقوى الشطء الزرع، وذلك أن الزرع أول ما يخرج رقيق الأصل ضعيفاً، فإذا أخرج فراخه غلظ. أصله وتقوى فكذلك

صفحة رقم 6978

أصحاب النبي ﷺ كانوا قلة ضعفاء ومستضعفين، فلما كثروا وتقووا قتلوا المشركين.
ثم قال: ﴿فاستغلظ﴾ أي: فاستوى الزرع على سوقه لما غلظ وتقوى بخروج الفراخ.
والسوق جمع ساق، وسوقه: أصوله.
وعن ابن عباس أنه مثل للنبي ﷺ بعثه الله وحده كخروج الزرع مفرداً، ثم بعث الله قوماً آمنوا به فتقوى بهم كالزرع إذا أخرج فراخه فتقوى بها وغلظ. هذا معنى قوله.
وقيام معنى: ﴿فاستوى على سُوقِهِ﴾ أي: تلاحق الفراخ بالأصول فاستوى جميع ذلك، كم تلاحق من آمن من أصحاب النبي ﷺ بعضهم ببعض فاستوى جميعهم في الإيمان.

صفحة رقم 6979

قال ابن زيد: " فآزره "، فاجتمع ذلك فالتفت كالمؤمنين كانوا قليلاً ثم تزايدوا فتأيدوا.
ثم قال: ﴿يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار﴾ أي: يعجب هذا الزارع حين استغلظ واستوى على سوقه، فحسن عند زارعيه.
وقوله: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار﴾ فاللام متعلقة بمحذوف، والتقدير: فعل ذلك بهم ليغيظ بهم الكفار، والتقدير: فعل ذلك ليغيظ بمحمد وأصحابه الكفار، فالمعنى فعل ذلك بمحمد وأصحابه ليغيظ الكفار.
ثم قال: ﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ الآية.
أي: وعد الله الذين صدقوا محمداً وعملوا الأعمال الصالحات من أصحاب محمد أجراً عظيماً ففضلهم بذلك على غيرهم.
وقيل: معنى وعد الله الذين تثبتوا على الإيمان من أصحاب محمد أجراً عظيماً، وستراً على ذنوبهم.
وقد روى سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله:

صفحة رقم 6980

﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله﴾ إلى آخر السورة، أن ﴿الذين مَعَهُ﴾ أبو بكر ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار﴾ عمر بن الخطاب ﴿رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾: عثمان ابن عفان، ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً﴾، علي بن أبي طالب ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً﴾: طلحة والزبير ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود﴾ / عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص،

صفحة رقم 6981

﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل﴾: أبو عبيدة بن الجراح، ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾ بأبي بكر الصديق، فاستغلظ بعمر، ﴿فاستغلظ فاستوى على سُوقِهِ يُعْجِبُ الزراع﴾ بعثمان، ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار﴾ بعلي، ﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أصحاب محمد ﷺ.
وقد روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلا في قلب مؤمن ".
وسئل: أبو هريرة عن القدر فقال: اكتف منه بآخر سورة الفتح، يريد ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ (أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار)﴾ آخر السورة، ثم قال أبو هريرة: " إن الله نعتهم قبل أن يخلفهم ".

صفحة رقم 6982
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية